(
وكذلك سولت لي نفسي ) أي كما حدث ووقع قربت لي نفسي وجعلته لي رسولا وإربا حتى فعلته ، وكان
موسى عليه السلام لا يقتل
بني إسرائيل إلا في حد أو وحي ، فعاقبه باجتهاد نفسه بأن أبعده ونحاه عن الناس وأمر
بني إسرائيل باجتنابه واجتناب قبيلته وأن لا يواكلوا ولا يناكحوا ، وجعل له أن يقول مدة حياته (
لا مساس ) أي لا مماسة ولا إذابة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش ، وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا
[ ص: 275 ] كليا ، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا ، وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة حم الماس والممسوس فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصيح (
لا مساس ) ويقال إن قومه باق فيهم ذلك إلى اليوم . انتهى . وكون الحمى تأخذ الماس والممسوس قول
قتادة والأمر بالذهاب حقيقة ودخلت الفاء للتعقيب إثر المحاورة وطرده بلا مهلة زمانية ، وعبر بالمماسة عن المخالطة لأنها أدنى أسباب المخالطة فنبه بالأدنى على الأعلى ، والمعنى لا مخالطة بينك وبين الناس فنفر من الناس ولزم البرية وهجر البرية وبقي مع الوحوش إلى أن استوحش وصار إذا رأى أحدا يقول (
لا مساس ) أي لا تمسني ولا أمسك . وقيل : ابتلي بعذاب قيل له (
لا مساس ) بالوسواس وهو الذي عناه الشاعر بقوله :
فأصبح ذلك كالسامري إذ قال موسى له لا مساسا
ومنه قول
رؤبة :
حتى تقول الأزد لا مساسا
وقيل : أراد
موسى قتله فمنعه الله من قتله لأنه كان شيخا . قال بعض شيوخنا وقد وقع مثل هذا في شرعنا في قصة الثلاثة الذين خلفوا أمر الرسول عليه السلام أن لا يكلموا ولا يخالطوا وأن يعتزلوا نساءهم حتى تاب الله عليهم . وقرأ الجمهور (
لا مساس ) بفتح السين والميم المكسورة و (
مساس ) مصدر ماس كقتال من قاتل ، وهو منفي بلا التي لنفي الجنس ، وهو نفي أريد به النهي أي لا تمسني ولا أمسك .
وقرأ
الحسن وأبو حيوة nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة وقعنب بفتح الميم وكسر السين . فقال صاحب اللوامح : هو على صورة نزال ونظار من أسماء الأفعال بمعنى انزل وانظر ، فهذه الأسماء التي بهذه الصيغة معارف ولا تدخل عليها إلا النافية التي تنصب النكرات نحو لا مال لك ، لكنه فيه نفي الفعل فتقديره لا يكون منك مساس ، ولا أقول مساس ومعناه النهي أي لا تمسني . انتهى . وظاهر هذا أن مساس اسم فعل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري (
لا مساس ) بوزن فجار ونحوه قولهم في الظباء :
إن وردن الماء فلا عباب وإن فقدنه فلا إباب
وهي أعلام للمسة والعبة والأبة وهي المرة من الأب وهو الطلب . وقال
ابن عطية (
لا مساس ) هو معدول عن المصدر كفجار ونحوه ، وشبهه
أبو عبيدة وغيره بنزال ودراك ونحوه ، والشبه صحيح من حيث هي معدولات ، وفارقه في أن هذه عدلت عن الأمر ومساس وفجار عدلت عن المصدر . ومن هذا قول الشاعر :
تميم كرهط السامري وقوله ألا لا يريد السامري مساس
انتهى .