(
ورزق ربك خير وأبقى ) أي ما ذخر لهم من المواهب في الآخرة ( خير ) مما متع به هؤلاء في الدنيا ( وأبقى ) أي أدوم . وقيل : ما رزقهم وإن كان قليلا خير مما رزقوا وإن كان كثير الحلية ذلك وحرمية هذا . وقيل : ما رزقت من النبوة والإسلام . وقيل : ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم . وقيل : القناعة . وقيل : ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا . ولما أمره تعالى بالتسبيح في تلك الأوقات المذكورة ونهاه عن مد بصره إلى ما متع به الكفار أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة التي هي بعد الشهادة آكد أركان الإسلام ، وأمره بالاصطبار على مداومتها ومشاقها وأن لا يشتغل عنها ، وأخبره تعالى أن لا يسأله أن يرزق نفسه وأن لا يسعى في تحصيل الرزق ويدأب في ذلك ، بل أمره بتفريغ باله لأمر الآخرة ويدخل في خطابه عليه السلام أمته . وقرأ الجمهور (
نرزقك ) بضم القاف . وقرأت فرقة ،
[ ص: 292 ] منهم
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب بإدغام القاف في الكاف وجاء ذلك عن
يعقوب قال صاحب اللوامح : وإنما امتنع
أبو عمرو من إدغام مثله بعد إدغامه ( نرزقكم ) ونحوها لحلول الكاف منه طرفا وهو حرف وقف ، فلو حرك وقفا لكان وقوفه على حركة وكان خروجا عن كلامهم . ولو أشار إلى الفتح لكان الفتح أخف من أن يتبعض بل خروج بعضه كخروج كله ، ولو سكن لأجحف بحرف . ولعل من أدغم ذهب مذهب من يقول
جعفر وعامر وتفعل فيشدد وقفا أو أدغم على شرط أن لا يقف بحال فيصير الطرف كالحشو . انتهى . و ( العاقبة ) أي الحميدة أو حسن العاقبة لأهل التقوى (
وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه ) هذه عادتهم في اقتراح الآيات كأنهم جعلوا ما ظهر من الآيات ليس بآيات ، فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بقوله (
أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ) أي القرآن الذي سبق التبشيرية وبإيحائي من الرسل به في الكتب الإلهية السابقة المنزلة على الرسل ، والقرآن أعظم الآيات في الإعجاز وهي الآية الباقية إلى يوم القيامة . وفي هذا الاستفهام توبيخ لهم . وقرأ
نافع وأبو عمرو وحفص (
تأتهم ) بالتاء على لفظ بينة . وقرأ باقي السبعة
nindex.php?page=showalam&ids=11934وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=13220وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي ( يأتهم ) بالياء لمجاز تأنيث الآية والفصل . وقرأ الجمهور بإضافة ( بينة ) إلى ( ما ) وفرقة منهم
أبو زيد عن
أبي عمرو بالتنوين و ( ما ) بدل . قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون ما نفيا وأريد بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصل مما لم يكن في غيره من الكتب . وقرأت فرقة بنصب ( بينة ) والتنوين و ( ما ) فاعل بتأتهم و ( بينة ) نصب على الحال ، فمن قرأ يأتهم بالياء فعلى لفظ ( ما ) ومن قرأ بالتاء راعى المعنى لأنه أشياء مختلفة وعلوم من مضى وما شاء الله . وقرأ الجمهور (
في الصحف ) بضم الحاء ، وفرقة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بإسكانها والضمير في ضمن قبله يعود على البينة لأنها في معنى البرهان ، والدليل قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري والظاهر عوده على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله : (
لولا أرسلت إلينا رسولا ) ولذلك قدره بعضهم قبل إرساله
محمدا إليهم والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة . وقيل ( نذل ) في الدنيا و ( نخزى ) في الآخرة . وقيل : الذل الهوان والخزي الافتضاح . وقرأ الجمهور (
نذل ونخزى ) مبنيا للفاعل ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12691ومحمد ابن الحنفية nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي والحسن في رواية
عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب مبنيا للمفعول . (
قل كل متربص فتربصوا ) أي منتظر منا ومنكم عاقبة أمره ، وفي ذلك تهديد لهم ووعيد وأفرد الخبر وهو (
متربص ) حملا على لفظ ( كل ) كقوله (
قل كل يعمل على شاكلته ) والتربص التأني والانتظار للفرج و ( من أصحاب ) مبتدأ وخبر علق عنه ( فستعلمون ) وأجاز
الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة ب فستعلمون و ( أصحاب ) خبر مبتدأ محذوف تقديره الذي هم أصحاب ، وهذا جار على مذهب الكوفيين إذ يجيزون حذف مثل هذا الضمير مطلقا سواء كان في الصلة طول أم لم يكن وسواء كان الموصول أيا أم غيره . وقرأ الجمهور (
السوي ) على وزن فعيل أي المستوي . وقرأ
أبو مجلز وعمران بن حدير السواء أي الوسط . وقرأ
الجحدري وابن يعمر السوأى على وزن فعلى أنث لتأنيث ( الصراط ) وهو مما يذكر ويؤنث تأنيث الأسواء من السوأى على ضد الاهتداء قوبل به ( ومن اهتدى ) على الضد ومعناه ( فستعلمون ) أيها الكفار من على الضلال ومن على الهدى ، ويؤيد ذلك قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الصراط السوء وقد روي عنهما أنهما قرآ السوأى على وزن فعلى ، فاحتمل أن يكون أصله السووى إذ روي ذلك عنهما فخفف الهمزة بإبدالها واوا وأدغم ، واحتمل أن يكون فعلى من السواء أبدلت ياؤه واوا وأدغمت الواو في الواو ، وكان القياس أنه لما بني فعلى من السواءان
[ ص: 293 ] يكون السويا فتجتمع واو وياء ، وسبقت إحداهما بالسكون فتقلب الواو ياء وتدغم في الياء ، فكان يكون التركيب السيا . وقرئ السوي بضم السين وفتح الواو وشد الياء تصغير السوء . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وليس بجيد إذ لو كان تصغير سوء لثبتت همزته في التصغير ، فكنت تقول سؤيـي والأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطاء عطي . ومن قرأ السوأى أو السوء كان في ذلك مقابلة لقوله (
ومن اهتدى ) وعلى قراءة الجمهور لم تراع المقابلة في الاستفهام