(
وإذ يقول المنافقون ) وهم المظهرون للإيمان المبطنون الكفر . (
والذين في قلوبهم مرض ) هم ضعفاء الإيمان الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم ، فهم على حرف ، والعطف دال على التغاير ، نبه عليهم على جهة الذم . لما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصخرة ، وبرقت تلك البوارق ، وبشر بفتح
فارس والروم
واليمن والحبشة ، قال
معتب بن قشير : يعدنا
محمد أن نفتح كنوز
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى وقيصر ومكة ، ونحن لا يقدر أحدنا أن يذهب إلى الغائط ، ما يعدنا إلا غرورا : أي : أمرا يغرنا ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به . وقال غيره من المنافقين نحو ذلك . وقولهم : (
ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) هو على سبيل الهزء ، إذ لو اعتقدوا أنه رسول حقيقة ما قالوا هذه المقالة ، فالمعنى : ورسوله على زعمكم وزعمه ، وفي
معتب ونظرائه نزلت هذه الآية .
(
وإذ قالت طائفة منهم ) أي : من المنافقين (
لا مقام لكم ) في حومة القتال والممانعة (
فارجعوا ) إلى بيوتكم ومنازلكم ، أمروهم بالهرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : فارجعوا كفارا إلى
[ ص: 218 ] دينكم الأول وأسلموه إلى أعدائه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : والقائل لذلك
عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه . وقال
مقاتل :
بنو مسلمة . وقال
أوس بن رومان :
أوس بن قيظي وأصحابه . وقال
الكلبي :
بنو حارثة . ويمكن صحة هذه الأقوال ، فإن فيهم من كان منافقا . (
لا مقام لكم ) وقرأ
السلمي nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج واليماني وحفص : بضم الميم ، فاحتمل أن يكون مكانا ، أي : لا مكان إقامة ; واحتمل أن يكون مصدرا ، أي : لا إقامة . وقرأ
أبو جعفر ،
وشيبة ،
وأبو رجاء ،
والحسن ،
وقتادة ،
والنخعي ،
وعبد الله بن مسلم ،
وطلحة ، وباقي السبعة : بفتحها ، واحتمل أيضا المكان ، أي : لا مكان قيام ، واحتمل المصدر ، أي : لا قيام لكم . (
ويستأذن فريق منهم النبي ) هو
أوس بن قيظي ، استأذن في الدخول إلى المدينة عن اتفاق من عشيرته . ( يقولون ) حال ، أي : قائلين : (
إن بيوتنا عورة ) أي : منكشفة للعدو ، وقيل : خالية للسراق ، يقال : أعور المنزل : انكشف . وقال الشاعر :
له الشدة الأولى إذا القرن أعورا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الفريق
بنو حارثة ، وهم كانوا عاهدوا الله لا يولون الأدبار ، اعتذروا بأن بيوتهم معرضة للعدو ، ممكنة للسراق ; لأنها غير محرزة ولا محصنة ، فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه ، فأكذبهم الله بأنهم لا يخافون ذلك ، وإنما يريدون الفرار . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وابن يعمر ،
وقتادة ،
وأبو رجاء ،
وأبو حيوة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة ،
وأبو طالوت ،
وابن مقسم ،
وإسماعيل بن سليمان عن
ابن كثير : "
عورة " و " بعورة " ، بكسر الواو فيهما ; والجمهور : بإسكانها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يكون تخفيف "
عورة " وبالكسر هو اسم فاعل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : صحة الواو في هذا إشارة لأنها متحركة قبلها فتحة . انتهى . فيعني أنها تنقلب ألفا ، فيقال : عارة ، كما يقول : رجل مال ، أي : ممول . وإذا كان " عورة " اسم فاعل ، فهو من عور الذي صحت عينه ، فاسم الفاعل كذلك تصح عينه ، فلا تكون صحة العين على هذا شذوذا . وقيل : السكون على أنه مصدر وصف به ، والبيت العور : هو المنفرد المعرض لمن أراد سوءا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : عور المكان يعور عورا وعورة فهو عور ، وبيوت عورة . وقال
الفراء : أعور المنزل : بدا منه عورة ، وأعور الفارس : كان فيه موضع خلل للضرب والطعن . قال الشاعر :
متى تلقهم لم تلق في البيت معورا ولا الضيف مسحورا ولا الجار مرسلا
قال
الكلبي : (
عورة ) خالية من الرجال ضائعة . وقال
قتادة : قاصية ، يخشى عليها العدو . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : قصيرة الحيطان ، يخاف عليها السراق . وقال
الليث : العورة : سوأة الإنسان ، وكل أمر يستحيا منه فهو عورة ، يقال : عورة في التذكير والتأنيث ، والجمع كالمصدر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : قالت
اليهود لعبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه من المنافقين : ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد
أبي سفيان وأصحابه ؟ فارجعوا إلى المدينة فأنتم آمنون . (
إن يريدون إلا فرارا ) من الدين ، وقيل : من القتل . وقال
الضحاك : ورجع ثمانون رجلا من غير إذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - . والضمير في : (
دخلت ) الظاهر عوده على البيوت ، إذ هو أقرب مذكور . قيل : أو على المدينة ، أي : ولو دخلها الأحزاب الذين يفرون خوفا منها ; والثالث على أهاليهم وأولادهم . (
ثم سئلوا الفتنة ) أي : الردة والرجوع إلى إظهار الكفر ومقاتلة المسلمين . (
لآتوها ) أي : لجاءوا إليها وفعلوا على قراءة القصر ، وهي قراءة
نافع وابن كثير . وقرأ باقي السبعة : لآتوها بالمد ، أي : لأعطوها . (
وما تلبثوا بها ) وما لبثوا
بالمدينة بعد ارتدادهم (
إلا يسيرا ) فإن الله يهلكهم ويخرجهم بالمؤمنين . قال
ابن عطية : ولو دخلت
المدينة من أقطارها ، واشتد الحرب الحقيقي ، ثم سئلوا الفتنة والحرب
لمحمد ، لطاروا إليها وأتوها مجيبين فيها ، ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيرا ، قيل : قدر ما يأخذون سلاحهم . انتهى . وقرأ الجمهور :
سئلوا ، وقرأ
الحسن : "
سئلوا " ، بواو
[ ص: 219 ] ساكنة بعد السين المضمومة ، قالوا : وهي من سال يسال ، ك : خاف يخاف ، لغة من : سأل ، المهموز العين . وحكى
أبو زيد : هما يتساولان . انتهى . ويجوز أن يكون أصلها الهمزة ; لأنه يجوز أن يكون "
سئلوا " على قول من يقول في ضرب : ضرب ، ثم سهل الهمزة بإبدالها واوا على قول من قال في بؤس : بوس ، بإبدال الهمزة واوا لضمة ما قبلها . وقرأ
عبد الوارث ، عن
أبي عمرو nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : " سيلوا " ، بكسر السين من غير همز ، نحو : قيل . وقرأ
مجاهد : " سوئلوا " ، بواو بعد السين المضمومة وياء مكسورة بدلا من الهمزة .
وقال
الضحاك : (
ثم سئلوا الفتنة ) أي : القتال في العصبية ، لأسرعوا إليه . وقال
الحسن : الفتنة : الشرك ، والظاهر عود الضمير بها على الفتنة . وقيل : يعود على المدينة . و ( عاهدوا ) أجري مجرى اليمين ، ولذلك يتلقى بقوله : (
لا يولون الأدبار ) . وجواب هذا القسم جاء على الغيبة عنهم على المعنى : ولو جاء كما لفظوا به ، لكان التركيب : لا نولي الأدبار . والذين عاهدوا :
بنو حارثة وبنو مسلمة ، وهما الطائفتان اللتان هما بالفشل في يوم
أحد ، ثم تابوا وعاهدوا أن لا يفروا ، فوقع يوم الخندق من
بني حارثة ذلك الاستئذان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : عاهدوا
بمكة ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم . وقيل : ناس غابوا عن وقعة
بدر قالوا : لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن من قبل : أي : من قبل هذه الغزوة ، غزوة الخندق . (
لا يولون الأدبار ) كناية عن الفرار والانهزام ، سئلوا مطلوبا مقتضى حتى يوفى به ، وفي ذلك تهديد ووعيد .