[ ص: 368 ] (
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أاصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صالي الجحيم وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به فسوف يعلمون ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ) تل الرجل الرجل : صرعه على شقه ، وقيل : وضعه بقوة . وقال
ساعدة بن حوبة :
وتل تليلا للجبين وللفم
والجبينان : ما اكتنف من هنا ومن هنا ، وشذ جمع الجبين على أجبن ، وقياسه في القلة أجبنة ، ككثيب وأكثبة ، وفي الكثرة : جبنات وجبن ، ككثبات وكثب . الذبح : اسم ما يذبح ، كالرعي اسم ما يرعى . أبق : هرب . ساهم : قارع . المدحض : المقلوب . الحوت : معروف . ألام : أتى بما يلام عليه ، قال الشاعر :
وكم من مليم لم يصب بملامة ومتبع بالذنب ليس له ذنب
العراء : الأرض الفيحاء لا شجر فيها ولا يعلم ، قال الشاعر :
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالمين العراء ثيابي
اليقطين : يفعيل كاليفصيد ، من قطن : أقام بالمكان ، وهو بالمكان ، وهو ما كان من الشجر لا يقوم على ساق من عود ، كشجر البطيخ والحنظل والقثاء . الساحة : الفناء ، وجمعها سوح ، قال الشاعر :
فكان سيان أن لا يسرحوا نعما أو يسرحوه بها واغبرت السوح
[ ص: 369 ]
(
وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين .
لما سلمه الله منهم ومن النار التي ألقوه فيها ، عزم على مفارقتهم ، وعبر بالذهاب إلى ربه عن هجرته إلى أرض
الشام . كما قال (
إني مهاجر إلى ربي ) ليتمكن من عبادة ربه ويتضرع له من غير أن يلقى من يشوش عليه ، فهاجر من أرض بابل ، من مملكة نمرود ، إلى
الشام . وقيل : إلى أرض
مصر . ويبعد قول من قال : ليس المراد بذهابه الهجرة ، وإنما مراده لقاء الله بعد الإحراق ، ظانا منه أنه سيموت في النار ، فقالها قبل أن يطرح في النار . و ( سيهدين ) أي إلى الجنة ، نحا إلى هذا
قتادة ; لأن قوله (
رب هب لي من الصالحين ) يدفع هذا القول ، والمعتقد أنه يموت في النار لا يدعو بأن يهب الله له ولدا صالحا . ( سيهدين ) يوفقني إلى ما فيه صلاحي . (
من الصالحين ) أي ولدا يكون في عداد الصالحين . ولفظ الهبة غلب في الولد ، وإن كان قد جاء في الأخ ، كقوله (
ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) . واشتملت البشارة على ذكورية المولود وبلوغه سن الحلم ووصفه بالحلم ، وأي حلم أعظم من قوله ، وقد عرض عليه أبوه الذبح (
ستجدني إن شاء الله من الصابرين )
(
فلما بلغ معه السعي ) ، بين هذه الجملة والتي قبلها محذوف تقديره : فولد له وشب . (
فلما بلغ ) أي أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
وابن زيد : والسعي هنا : العمل والعبادة والمعونة . وقال
قتادة : السعي على القدم ، يريد سعيا متمكنا ، وفيه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لا يصح تعلقه ببلغ به بلوغهما معا حد السعي ولا بالسعي ; لأن أصله المصدر لا يتقدم عليه ، فنفى أن يكون بيانا ، كأنه لما قال (
فلما بلغ معه السعي ) ، أي الحد الذي يقدر فيه على السعي ، قيل : مع من ؟ فقال : مع أبيه ، والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس وأعطفهم عليه وعلى غيره وبما عنف عليه في الاستسعاء ، فلا يحتمله ; لأنه لم يستحكم قوله ، ولم يطلب عوده ، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة . انتهى .
(
قال يابني ) نداء شفقة وترحم . (
إني أرى في المنام أني أذبحك ) أي بأمر من الله ، ويدل عليه (
افعل ما تؤمر ) . ورؤيا الأنبياء وحي كاليقظة ، وذكره له الرؤيا تجسير على احتمال تلك البلية العظيمة . وشاوره بقوله (
فانظر ماذا ترى ) وإن كان حتما من الله ليعلم ما عنده من تلقي هذا الامتحان العظيم ، ويصبره إن جزع ، ويوطن نفسه على ملاقاة هذا البلاء ، وتسكن نفسه لما لا بد منه ، إذ مفاجأة البلاء قبل الشعور به أصعب على النفس ، وكان ما رآه في المنام ولم يكن في اليقظة ، كرؤيا
يوسف عليه السلام ، ورؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخول المسجد الحرام ، ليدل على أن حالتي الأنبياء يقظة ومناما سواء في الصدق متظافرتان عليه . قيل : إنه حين بشرت الملائكة بغلام حليم قال : هو إذن ذبيح الله . فلما بلغ حد السعي معه قيل له : أوف بنذرك . قيل : رأى ليلة التروية قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا . فلما أصبح ، روى في ذلك من الصباح إلى الرواح . أمن الله هذا الحلم ؟ ، فمن ثم سمي يوم التروية . فلما أمس رأى مثل ذلك ، فعرف أنه من الله ، فمن ثم سمي يوم عرفة . ثم رأى مثله في الليلة الثالثة ، فهم بنحره ، فسمي يوم النحر .
وقرأ الجمهور :
[ ص: 370 ] ( ترى ) ، بفتح التاء والراء ;
وعبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=13705والأسود بن يزيد ،
وابن وثاب ،
وطلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
ومجاهد ،
وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : بضم التاء وكسر الراء ;
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش أيضا بضم التاء وفتح الراء . فالأول من الرأي ، والثاني ماذا ترينيه وما تبديه لأنظر فيه ؟ والثالث ما الذي يخيل إليك ويوقع في قلبك ؟ و ( انظر ) معلقة ، وماذا استفهام . فإن كانت ( ذا ) موصولة بمعنى الذي ، فـ ( ما ) مبتدأ ، والفعل بعد ( ذا ) صلة . وإن كانت ( ذا ) مركبة ، ففي موضع نصب بالفعل بعدها . والجملة ، واسم الاستفهام الذي هو معمول للفعل بعده في موضع نصب انظر . ولما كان خطاب الأب ( يا بني ) ، على سبيل الترحم ، قال : هو ( يا أبت ) ، على سبيل التعظيم والتوقير . (
افعل ما تؤمر ) أي ما تؤمره ، حذفه وهو منصوب ، وأصله ما تؤمر به ، فحذف الحرف ، واتصل الضمير منصوبا ، فجاز حذفه لوجود شرائط الحذف فيه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أو أمرك ، على إضافة المصدر إلى المفعول الذي لم يسم فاعله ، وفي ذلك خلاف . هل يعتقد في المصدر العامل أن يجوز أن يبنى للمفعول ، فيكون ما بعده مفعولا لم يسم فاعله ، أم يكون ذلك ؟ (
ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) كلام من أوتي الحلم والصبر والامتثال لأمر الله ، والرضا بما أمر الله .
(
فلما أسلما ) أي لأمر الله ، ويقال : استسلم وسلم بمعناه . وقرأ الجمهور : أسلما . وقرأ
عبد الله ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
ومجاهد ،
والضحاك ،
وجعفر بن محمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : سلما : أي فوضا إليه في قضائه وقدره . وقرئ : استسلما ، ثلاث قراءات . وقال
قتادة في أسلما : أسلم هذا ابنه ، وأسلم هذا نفسه ، فجعل أسلما متعديا ، وغيره جعله لازما بمعنى : انقادا لأمر الله وخضعا له . (
وتله للجبين ) أي أوقعه على أحد جنبيه في الأرض مباشرا الأمر بصبر وجلد ، وذلك عند الصخرة التي
بمنى ، وعن
الحسن : في الموضع المشرف على مسجد
منى ; وعن
الضحاك : في المنحر الذي ينحر فيه اليوم . وجواب ( لما ) محذوف يقدر بعد (
وتله للجبين ) ، أي أجزلنا أجرهما ، قاله بعض
البصريين ، أو بعد (
الرؤيا ) أي : كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما الله على ما أنعم به إلى ألفاظ كثيرة ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري على عادته في خطابته ، أو قبل (
وتله ) تقديره (
فلما أسلما وتله ) . قال
ابن عطية : وهو قول
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه ، وهو عندهم كقول
امرئ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
وقال
الكوفيون : الجواب مثبت ، وهو (
وناديناه ) على زيادة الواو . وقالت فرقة : هو (
وتله ) على زيادة الواو . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قصة
إبراهيم وابنه ، وما جرى بينهما من الأقوال والأفعال فصولا ، الله أعلم بصحتها ، يوقف عليها في كتابه . و ( أن ) مفسرة ; أي (
قد صدقت ) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي : وناديناه قد صدقت ، بحذف ( أن ) ، وقرئ : صدقت ، بتخفيف الدال . وقرأ فياض : الريا ، بكسر الراء والإدغام وتصديق الرؤيا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح من بطحه على شقه وإمرار الشفرة على حلقه ، لكن الله سبحانه جاء بما منع الشفرة أن تمضي فيه ، وهذا لا يقدح في فعل
إبراهيم . ألا ترى أنه لا يسمى عاصيا ولا مفرطا ؟ بل يسمى مطيعا ومجتهدا ، كما لو مضت فيه الشفرة وفرت الأوداج وأنهرت الدم . وليس هذا من ورود النسخ على المأمور به قبل الفعل ، ولا قبل أوان الفعل في شيء ، كما يسبق إلى بعض الأوهام حتى يشتغل بالكلام فيه . وقال
ابن عطية (
قد صدقت ) يحتمل أن يريد بقلبك على معنى : كانت عندك رؤياك صادقة حقا من الله فعملت بحسبها حين آمنت بها ، واعتقدت صدقها . ويحتمل أن يريد : صدقت بقلبك ما حصل عن الرؤيا في نفسك ، كأنه قال : قد وفيتها حقها من العمل . انتهى . (
إنا كذلك نجزي المحسنين ) تعليل لتخويل ما خولهما الله من الفرج بعد الشدة ، والظفر بالبغية بعد اليأس .
( إن هذا ) أي ما أمر به إبراهيم من ذبح ابنه ، (
لهو البلاء المبين ) أي الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون وغيرهم ، أو المحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها . (
وفديناه بذبح ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو
[ ص: 371 ] الكبش الذي قربه هابيل فقبل منه ، وكان يرعى في الجنة حتى فدي به
إسماعيل . وقال أيضا هو
والحسن : فدي بوعل أهبط عليه من
سرو . وقال الجمهور : كبش أبيض أقرن أقنى ، ووصف بالعظم . قال
مجاهد : لأنه متقبل يقينا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد : لأنه جرت السنة به ، وصار دينا باقيا إلى آخر الدهر . وقال
الحسن بن الفضل : لأنه كان من عند الله . وقال
أبو بكر الوراق : لأنه لم يكن عن نسل ، بل عن التكوين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير : عظمته كونه من كباش الجنة ، رعي فيها أربعين خريفا . وفي قوله (
وفديناه بذبح عظيم ) دليل على أن
إبراهيم لم يذبح ابنه ، وقد فدي . وقالت فرقة : وقع الذبح وقام بعد ذلك . قال
ابن عطية : وهذا كذب صراح . وقالت فرقة : لم ير
إبراهيم في منامه الإمرار بالشفرة فقط ، فظن أنه ذبح مجهز ، فنفذ لذلك . فلما وقع الذي رآه وقع النسخ ، قال : ولا اختلاف ، فإن
إبراهيم عليه السلام ، أمر الشفرة على حلق ابنه فلم تقطع . انتهى . والذي دل عليه القرآن أنه (
وتله للجبين ) فقط ، ولم يأت في حديث صحيح
أنه أمر الشفرة على حلق ابنه . (
وتركنا عليه ) إلى ( المؤمنين ) تقدم تفسير نظيره في آخر قصة
نوح ، قبل قصة
إبراهيم هنا ، وقال هنا كذلك دون إنا اكتفاء بذكر ذلك قبل وبعد .
(
وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) الظاهر أن هذه بشارة غير تلك البشارة ، وأن الغلام الحليم المبشر به
إبراهيم هو
إسماعيل ، وأنه هو الذبيح لا
إسحاق ; وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
والحسن ،
ومجاهد ، وجماعة من التابعين ; واستدلوا بظاهر هذه الآيات وبقوله عليه السلام :
أنا ابن الذبيحين ، وقول الأعرابي له :
يا ابن الذبيحين : فتبسم عليه السلام ، يعني
إسماعيل ، وأباه
عبد الله . وكان
عبد المطلب نذر ذبح أحد ولده ، فخرج السهم على
عبد الله ، فمنعه أخواله وقالوا له : افد ابنك بمائة من الإبل ، ففداه بها . وفيما أوحى الله
لموسى في حديث طويل .
وأما إسماعيل ، فإنه جاد بدم نفسه . وسأل
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يهوديا أسلم عن ذلك فقال : إن يهوديا ليعلم ، لكنهم يحسدونكم معشر العرب ، وكان قرنا الكبش منوطين في الكعبة . وسأل
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي nindex.php?page=showalam&ids=12114أبا عمرو بن العلاء عن
الذبيح فقال : يا
nindex.php?page=showalam&ids=13721أصمعي ، أين عزب عنك عقلك ؟ ومتى كان
إسحاق بمكة ؟ وهو الذي بنى البيت مع أبيه ، والمنحر
بمكة ؟ انتهى . ووصفه تعالى بالصبر في قوله (
وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ) وهو صبره على الذبح ; وبصدق الوعد في قوله (
إنه كان صادق الوعد ) لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : الذبيح
إسماعيل ، ويزعم اليهود أنه
إسحاق ، وكذبت اليهود . ومن أقوى ما يستدل به أن الله تعالى بشر
إبراهيم بإسحاق ، وولد
إسحاق يعقوب . فلو كان الذبيح
إسحاق ، لكان ذلك الإخبار غير مطابق للواقع ، وهو محال في إخبار الله تعالى . وذهبت جماعة إلى أن الذبيح هو
إسحاق ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
وعلي ،
وعطاء ،
وعكرمة ، وكعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في رواية ، وكان أمر ذبحه
بالشام . وقال
عطاء ومقاتل :
ببيت المقدس ; وقيل : بالحجاز ، جاء مع أبيه على البراق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في رواية : وكان أمر ذبحه
بالشام ، كان بالمقام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : والبشارة في قوله (
وبشرناه بإسحاق ) هي بشارة نبوته . وقالوا : أخبر تعالى عن خليله
إبراهيم حين هاجر إلى
الشام بأنه استوهبه ولدا ، ثم أتبع تلك البشارة بغلام حليم ، ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به ، ويدل عليه كتاب
يعقوب إلى
يوسف ، عليهما السلام : من
يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله . ومن جعل الذبيح
إسحاق ، جعل هذه البشارة بشارة بنبوته ، كما ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقالوا : لا يجوز أن يبشره الله بولادته ونبوته معا ; لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا . ومن جعله
إسماعيل ، جعل البشارة بولده
إسحاق . وانتصب نبيا على
[ ص: 372 ] الحال ، وهي حال مقدرة . فإن كان
إسحاق هو الذبيح ، وكانت هذه البشارة بولادة
إسحاق ، فقد جعل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ذلك محل سؤال . فإن قلت : فرق بين هذا وقوله (
فادخلوها خالدين ) وذلك أن المدخول موجود مع وجود الدخول ، والخلود غير موجود معهما ، فقدرت مقدرين للخلود ، فكان مستقيما . وليس كذلك المبشر به ، فإنه معلوم وقت وجود البشارة ، وعدم المبشر به أوجب عدم حاله ; لأن الحال حلية لا تقوم إلا بالمحلي . وهذا المبشر به الذي هو
إسحاق ، حين وجد لم توجد النبوة أيضا بوجوده ، بل تراخت عنه مدة طويلة ، فكيف يجعل نبيا حالا مقدرة ؟ والحال صفة للفاعل والمفعول عند وجود الفعل منه أو به . فالخلود وإن لم يكن صفتهم عند دخول الجنة ، فتقديرها صفتهم ; لأن المعنى : مقدرين الخلود . وليس كذلك النبوة ، فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة وقت وجود البشارة
بإسحاق لعدم
إسحاق . قلت : هذا سؤال دقيق السلك ضيق المسلك ، والذي يحل الإشكال أنه لا بد من تقدير مضاف محذوف وذلك قوله (
وبشرناه ) بوجود
إسحاق نبيا ، أي بأن يوجد مقدرة نبوته ، فالعامل في الحال الوجود ، لا فعل البشارة ; وبذلك يرجع نظير قوله تعالى (
فادخلوها خالدين ) ، ( من الصالحين ) حال ثانية ، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ ; لأن كل نبي لا بد أن يكون من الصالحين . انتهى .
(
وباركنا عليه وعلى إسحاق ) أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا ، وبأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه . (
ومن ذريتهما محسن وظالم ) فيه وعيد لليهود ومن كان من ذريتهما لم يؤمن
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وفيه دليل على أن البر قد يلد الفاجر ، ولا يلحقه من ذلك عيب ولا منقصة .