وتخريج
هم العدو على أنه مفعول ثان ليحسبون تخريج متكلف بعيد عن الفصاحة ، بل المتبادر إلى الذهن السليم أن يكون
هم العدو إخبارا منه - تعالى - بأنهم ، وإن أظهروا الإسلام وأتباعهم ، هم المبالغون في عداوتك ،
[ ص: 273 ] ولذلك جاء بعده أمره - تعالى - إياه بحذرهم ، فقال : ( فاحذرهم ) فالأمر بالحذر متسبب عن إخباره بأنهم هم العدو . و
قاتلهم الله دعاء يتضمن إبعادهم ، وأن يدعو عليهم المؤمنون بذلك .
أنى يؤفكون أي : كيف يصرفون عن الحق ، وفيه تعجب من ضلالهم وجهلهم . ولما أخبره - تعالى - بعداوتهم ، أمره بحذرهم ، فلا يثق بإظهار مودتهم ، ولا بلين كلامهم . و
قاتلهم الله كلمة ذم وتوبيخ ، وقالت العرب : قاتله الله ما أشعره . يضعونه موضع التعجب ، ومن قاتله الله فهو مغلوب ; لأنه تعالى هو القاهر لكل معاند . وكيف استفهام ، أي : كيف يصرفون عن الحق ولا يرون رشد أنفسهم ؟ قال
ابن عطية : ويحتمل أن يكون " أنى " ظرفا لقاتلهم ، كأنه قال : قاتلهم الله كيف انصرفوا أو صرفوا ، فلا يكون في هذا القول استفهام على هذا . انتهى . ولا يصح أن يكون أنى لمجرد الظرف ، بل لا بد أن يكون ظرفا استفهاما ، إما بمعنى أين ، أو بمعنى متى ، أو بمعنى كيف ، أو شرطا بمعنى أين . وعلى هذه التقادير لا يعمل فيها ما قبلها ، ولا تتجرد لمطلق الظرفية بحال من غير اعتبار ما ذكرناه ، فالقول بذلك باطل .
ولما صدق الله
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم فيما أخبر به عن
ابن سلول ، مقت الناس
ابن سلول ولامه المؤمنون من قومه ، وقال له بعضهم : امض إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واعترف بذنبك يستغفر لك ، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي ، وقال لهم : لقد أشرتم علي بالإيمان فآمنت ، وأشرتم علي بأن أعطي زكاة مالي ففعلت ، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود
لمحمد ، و ( يستغفر ) مجزوم على جواب الأمر ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب عاملين ، أحدهما ( يستغفر ) والآخر ( تعالوا ) فأعمل الثاني على المختار عند أهل البصرة ، ولو أعمل الأول لكان التركيب : تعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . وقرأ
مجاهد ونافع و
أهل المدينة وأبو حيوة nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة والمفضل وأبان عن
عاصم والحسن ويعقوب بخلاف عنهما : ( لووا ) بفتح الواو .
وأبو جعفر nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وطلحة وعيسى وأبو رجاء nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج وباقي السبعة بشدها للتكثير . ولي رءوسهم على سبيل الاستهزاء ، واستغفار الرسول لهم ، هو استتابتهم من النفاق ، فيستغفر لهم إذ كان استغفاره متسببا عن استتابتهم ، فيتوبون وهم يصدون عن المجيء واستغفار الرسول . وقرئ : " يصدون " ويصدون جملة حالية ، وأتت بالمضارع ليدل على استمرارهم
وهم مستكبرون جملة حالية أيضا .
ولما سبق في علمه - تعالى - أنهم لا يؤمنون البتة ، سوى بين استغفاره لهم وعدمه . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي أنه - عليه الصلاة والسلام - كان استغفر لهم ; لأنهم أظهروا له الإسلام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت هذه بعد قوله - تعالى - في براءة
إن تستغفر لهم سبعين مرة وقوله - عليه الصلاة والسلام - :
سوف أستغفر لهم زيادة على السبعين ، فنزلت هذه الآية ، فلم يبق للاستغفار وجه . وقرأ الجمهور : " أستغفرت " بهمزة التسوية التي أصلها همزة الاستفهام ، وطرح ألف الوصل .
وأبو جعفر : بمدة على الهمزة . قيل : هي عوض من همزة الوصل ، وهي مثل المدة في قوله :
قل آلذكرين حرم لكن هذه المدة في الاسم لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر ، ولا يحتاج ذلك في الفعل ; لأن همزة الوصل فيه مكسورة . وعن
أبي جعفر أيضا : ضم ميم " عليهم " إذ أصلها الضم ، ووصل الهمزة . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17104معاذ بن معاذ العنبري ، عن
أبي عمرو كسر الميم على أصل التقاء الساكنين ، ووصل الهمزة ، فتسقط في القراءتين ، واللفظ خبر ، والمعنى على الاستفهام ، والمراد التسوية ، وجاز حذف الهمزة لدلالة أم عليها ، كما دلت على حذفها في قوله :
بسبع رمينا الجمر أم بثمان
يريد : أبسبع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرأ
أبو جعفر : آستغفرت ، إشباعا لهمزة الاستفهام للإظهار والبيان ، لا قلب همزة الوصل ألفا كما في : آلسحر ، وآلله . وقال
ابن عطية : وقرأ
أبو جعفر بن القعقاع : " آستغفرت " بمدة على الهمزة ، وهي ألف التسوية . وقرأ
[ ص: 274 ] أيضا : بوصل الألف دون همز على الخبر ، وفي هذا كله ضعف ; لأنه في الأولى أثبت همزة الوصل وقد أغنت عنها همزة الاستفهام ، وفي الثانية حذف همزة الاستفهام وهو يريدها ، وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر .
هم الذين يقولون : إشارة إلى
ابن سلول ومن وافقه من قومه ، سفه أحلامهم في أنهم ظنوا أن رزق المهاجرين بأيديهم ، وما علموا أن ذلك بيد الله - تعالى - .
لا تنفقوا على من عند رسول الله : إن كان الله - تعالى - حكى نص كلامهم ، فقولهم :
على من عند رسول الله هو على سبيل الهزء كقولهم :
وقالوا ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون أو لكونه جرى عندهم مجرى اللعب ، أي : هو معروف بإطلاق هذا اللفظ عليه ، إذ لو كانوا مقرين برسالته ما صدر منهم ما صدر . فالظاهر أنهم لم ينطقوا بنفس ذلك اللفظ ، ولكنه - تعالى عبر - بذلك عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - إكراما له وإجلالا . وقرأ الجمهور : " ينفضوا " أي : يتفرقوا عن الرسول . و
الفضل بن عيسى : " ينفضوا " من انفض القوم ، فني طعامهم ، فنفض الرجل وعاءه ، والفعل من باب ما يعدى بغير الهمزة ، وبالهمزة لا يتعدى . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وحقيقته حان لهم أن ينفضوا مزاودهم . وقرأ الجمهور :
ليخرجن الأعز منها الأذل فالأعز فاعل ، والأذل مفعول ، وهو من كلام
ابن سلول ، كما تقدم . ويعني بالأعز : نفسه وأصحابه ، وبالأذل : المؤمنين .
والحسن nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة والمسيبي في اختياره : لنخرجن بالنون ، ونصب الأعز والأذل ، فالأعز مفعول ، والأذل حال . وقرأ
الحسن فيما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني : " لنخرجن " بنون الجماعة مفتوحة وضم الراء ، ونصب الأعز على الاختصاص ، كما قال : نحن العرب أقرى الناس للضيف ; ونصب الأذل على الحال ، وحكى هذه القراءة
أبو حاتم . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء أن قوما قرأوا : ليخرجن بالياء مفتوحة وضم الراء ، فالفاعل الأعز ، ونصب الأذل على الحال . وقرئ : مبنيا للمفعول وبالياء ، الأعز مرفوع به ( الأذل ) نصبا على الحال . ومجيء الحال بصورة المعرفة متأول عند البصريين ، فما كان منها بأل فعلى زيادتها ، لا أنها معرفة . ولما سمع
عبد الله ولد
عبد الله بن أبي هذه الآية ، جاء إلى أبيه فقال : أنت والله يا أبت الذليل ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزيز . فلما دنا من المدينة ، جرد السيف عليه ومنعه الدخول حتى يأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان فيما قال له : وراءك لا تدخلها حتى تقول : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعز وأنا الأذل ، فلم يزل حبيسا في يده حتى أذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتخليته . وفي هذا الحديث أنه قال لأبيه : لئن لم تشهد لله ولرسوله بالعزة لأضربن عنقك ، قال : أفاعل أنت ؟ قال : نعم ، فقال : أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين . وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=35للحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - : إن فيك تيها ، فقال : ليس بتيه ولكنه عزة ، وتلا هذه الآية .
لا تلهكم أموالكم بالسعي في نمائها والتلذذ بجمعها ،
ولا أولادكم بسروركم بهم وبالنظر في مصالحهم في حياتكم وبعد مماتكم
عن ذكر الله : هو عام في الصلاة والثناء على الله تعالى بالتسبيح والتحميد وغير ذلك والدعاء . وقال نحوا منه
الحسن وجماعة . وقال
الضحاك وعطاء : أكد هنا الصلاة المكتوبة . وقال
الحسن أيضا : جميع الفرائض . وقال
الكلبي : الجهاد مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . وقيل : القرآن .
ومن يفعل ذلك أي : الشغل عن ذكر الله بالمال والولد
فأولئك هم الخاسرون حيث آثروا العاجل على الآجل ، والفاني على الباقي .
وأنفقوا مما رزقناكم قال الجمهور : المراد الزكاة . وقيل : عام في المفروض والمندوب . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت في مانعي الزكاة ، والله لو رأى خيرا ما سأل الرجعة ، فقيل له : أما تتقي الله ؟ يسأل المؤمنون الكرة ، قال : نعم أنا أقرأ عليكم به قرآنا ، يعني أنها نزلت في المؤمنين ، وهم المخاطبون بها .
لولا أخرتني أي : هلا أخرت موتي إلى زمان قليل ؟ وقرأ الجمهور : " فأصدق " وهو منصوب على
[ ص: 275 ] جواب الرغبة . و
أبي وعبد الله nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير : ( فأتصدق ) على الأصل . وقرأ جمهور السبعة : " وأكن " مجزوما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " وأكن " بالجزم عطفا على محل " فأصدق " كأنه قيل : إن أخرتني أصدق وأكن . انتهى . وقال
ابن عطية : عطفا على الموضع ; لأن التقدير : إن تؤخرني أصدق وأكن ، هذا مذهب
أبي علي الفارسي . فأما ما حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه عن
الخليل فهو غير هذا ، وهو أنه جزم وأكن على توهم الشرط الذي يدل عليه بالتمني ، ولا موضع هنا ; لأن الشرط ليس بظاهر ، وإنما يعطف على الموضع ; حيث يظهر الشرط كقوله - تعالى - :
من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم . فمن قرأ بالجزم عطف على موضع
فلا هادي له ; لأنه لو وقع هنالك فعل كان مجزوما . انتهى . والفرق بين العطف على الموضع والعطف على التوهم ، أن العامل في العطف على الموضع موجود دون مؤثره ، والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود . وقرأ
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير وأبو رجاء وابن أبي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16871ومالك بن دينار ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وابن محيصن وعبد الله بن الحسن العنبري ،
وأبو عمرو : وأكون بالنصب عطفا على " فأصدق " وكذا في مصحف
عبد الله وأبي . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير : وأكون بضم النون على الاستئناف ، أي : وأنا أكون ، وهو وعد الصلاح .
ولن يؤخر الله نفسا : فيه تحريض على المبادرة بأعمال الطاعات حذارا أن يجيء الأجل ، وقد فرط ولم يستعد للقاء الله . وقرأ الجمهور : " تعملون " بتاء الخطاب للناس كلهم .
وأبو بكر : بالياء ، خص الكفار بالوعيد ، ويحتمل العموم .