سورة ألهاكم مكية وهي ثماني آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
(
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) .
هذه السورة مكية في قول جميع المفسرين ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : مدنية ، ومناسبتها لما قبلها ظاهرة ، وسبب نزولها أنه فيما روى
الكلبي ومقاتل : كان بين
بني سهم وبين
بني عبد مناف لحاء ، فتعادوا الأشراف الأحياء أيهم أكثر ، فكثرهم
بنو عبد مناف ، ثم تعادوا الأموات ، فكثرهم
بنو سهم ؛ لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية ، وقال
قتادة : نزلت في
اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، وقال
ابن زيد : نزلت في بطن من
الأنصار .
(
ألهاكم ) شغلكم فعلى ما روى
الكلبي ومقاتل يكون المعنى : أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى استوعبتم عددهم ، صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات ، عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكما بهم ، وهذا معنى ينبو عنه لفظ زرتم ، قيل : (
حتى زرتم ) أي متم وزرتم بأجسادكم مقابرها ، أي قطعتم بالتكاثر والمفاخرة بالأموال والأولاد والعدد أعماركم حتى متم ، وسمع بعض الأعراب (
حتى زرتم ) فقال : بعث القوم للقيامة ، ورب
الكعبة ، فإن الزائر منصرف لا مقيم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز نحو من قول الأعرابي ، وقيل : هذا تأنيث على الإكثار من زيارة تكثرا بمن سلف وإشادة بذكره ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نهى عن زيارة القبور ، ثم قال : ( فزوروها ) أمر إباحة للاتعاظ بها لا لمعنى المباهاة والتفاخر . قال
ابن عطية : كما يصنع الناس في ملازمتها وتسليمها بالحجارة والرخام ، وتلوينها شرفا ، وبيان النواويس عليه ،
وابن عطية لم ير إلا قبور
أهل الأندلس ، فكيف لو رأى ما تباهى به
أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى ، والقرافة
[ ص: 508 ] الصغرى ، وباب النصر وغير ذلك ، وما يضيع فيها من الأموال لتعجب من ذلك ، ولرأى ما لم يخطر ببال ؟
وأما التباهي بالزيارة ، ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوف أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور ، زرت قبر سيدي فلان بكذا ، وقبر فلان بكذا ، والشيخ فلانا بكذا ، والشيخ فلانا بكذا ، فيذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد ، وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلك القبور وأولئك المشايخ بحيث لو كتبت لجاءت أسفارا ، وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه ، وقد سخر لهم الملوك وعوام الناس في تحسين الظن بهم وبذل أموالهم لهم ، وأما من شذ منهم لأن يتكلم للعامة فيأتي بعجائب ، يقولون هذا فتح هذا من العلم اللدني علم الخضر ، حتى إن من ينتمي إلى العلم لما رأى رواج هذه الطائفة سلك مسلكهم ونقل كثيرا من حكاياتهم ومزج ذلك بيسير من العلم طلبا للمال والجاه وتقبيل اليد ، ونحن نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته .
وقرأ الجمهور : ألهاكم على الخبر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وعائشة ، ومعاوية
، nindex.php?page=showalam&ids=12107وأبو عمران الجوني ،
وأبو صالح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16871ومالك بن دينار ،
وأبو الجوزاء وجماعة : بالمد على الاستفهام ، وقد روي كذلك عن
الكلبي ويعقوب ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
وأبي العالية ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي في رواية : ( أألهاكم ) بهمزتين ، ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقرير على قبح فعلهم ، والجمهور : على أن التكرير توكيد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والتكرير تأكيد للردع والإنذار ، و ( ثم ) دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول وأشد ، كما تقول للمنصوح : أقول لك ثم أقول لك لا تفعل ، والمعنى : سوف تعلمون الخطاب فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء الله تعالى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : كلا سوف تعلمون في القبور ثم كلا سوف تعلمون في البعث : غاير بينهما بحسب التعلق ، وتبقى ثم على بابها من المهلة في الزمان ، وقال
الضحاك : الزجر الأول ووعيده للكافرين ، والثاني للمؤمنين (
كلا لو تعلمون ) أي ما بين أيديكم مما تقدمون عليه (
علم اليقين ) أي كعلم ما تستيقنونه من الأمور لما ألهاكم التكاثر أو العلم اليقين ، فأضاف الموصوف إلى صفته وحذف الجواب لدلالة ما قبله عليه وهو (
ألهاكم التكاثر ) وقيل : اليقين هنا الموت . وقال
قتادة : البعث ؛ لأنه إذا جاء زال الشك . ثم قال : (
لترون الجحيم ) والظاهر أن هذه الرؤية هي رؤية الورود ، كما قال تعالى : (
وإن منكم إلا واردها ) ولا تكون رؤية عند الدخول ، فيكون الخطاب للكفار ؛ لأنه قال بعد ذلك : (
ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) .
(
ثم لترونها عين اليقين ) تأكيد للجملة التي قبلها ، وزاد التوكيد بقوله : (
عين اليقين ) نفيا لتوهم المجاز في الرؤية الأولى ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو خطاب للمشركين ، فالرؤية رؤية دخول ، وقرأ
ابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : ( لترون ) بضم التاء ، وباقي السبعة : بالفتح ،
وعلي وابن كثير في رواية ،
وعاصم في رواية : بفتحها في ( لترون ) وضمها في ( لترونها )
ومجاهد والأشهب nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : بضمها ، وروي عن
الحسن وأبي عمرو بخلاف عنهما أنهما همزا الواوين ، استثقلوا الضمة على الواو فهمزوا كما همزوا في وقتت ، وكان القياس أن لا تهمز ، لأنها حركة عارضة لالتقاء الساكنين فلا يعتد بها ، لكنها لما تمكنت من الكلمة بحيث لا تزول أشبهت الحركة الأصلية فهمزوا ، وقد همزوا من الحركة العارضة ما يزول في الوقف نحو استرؤا الصلاة ، فهمز هذه أولى .
(
ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) الظاهر العموم في النعيم ، وهو كل ما يتلذذ به من مطعم ومشرب ومفرش ومركب ، فالمؤمن يسأل سؤال إكرام وتشريف ، والكافر سؤال توبيخ وتقريع ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي وسفيان ومجاهد : هو الأمن والصحة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : البدن والحواس فيم استعملها ، وعن
ابن جبير : كل ما يتلذذ به ، وفي الحديث : (
بيت يكنك وخرقة تواريك وكسرة تشد قلبك وما سوى ذلك فهو نعيم ) .