(
الحج أشهر معلومات ) لما أمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة ، وكانت العمرة لا وقت لها معلوما : بين أن الحج له وقت معلوم ، فهذه مناسبة هذه الآية لما قبلها .
والحج أشهر ، مبتدأ وخبر ، ولا بد من حذف ، إذ الأشهر ليست الحج ، وذلك الحذف إما في المبتدأ ، فالتقدير : أشهر الحج ، أو وقت الحج ، أو في الخبر ، أي : الحج حج أشهر ، أو يكون الأصل في أشهر ، فاتسع فيه ، وأخبر بالظرف عن الحج لما كان يقع فيه ، وجعل إياه على سبيل التوسع والمجاز ، وعلى هذا التقدير كان يجوز النصب ، ولا يمتنع في العربية .
قال
ابن عطية : ومن قدر الكلام في أشهر ، فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ، ولم يقرأ بنصبها أحد ، انتهى كلامه . ولا يلزم نصب الأشهر مع سقوط حرف الجر ، كما ذكر
ابن عطية : لأنا قد ذكرنا أنه يرفع على الاتساع ، وهذا لا خلاف فيه عند
البصريين ، أعني أنه إذا كان ظرف الزمان نكرة خبرا عن المصادر ، فإنه يجوز عندهم الرفع والنصب ، وسواء كان الحدث مستغرقا للزمان أو غير مستغرق ، وأما
الكوفيون فعندهم في ذلك تفصيل ، وهو أن الحدث إما أن يكون مستغرقا
[ ص: 85 ] للزمان ، فيرفع ولا يجوز فيه النصب ، أو غير مستغرق فذهب
هشام أنه يجب فيه الرفع ، فيقول : ميعادك يوم وثلاثة أيام ، وذهب
الفراء إلى جواز النصب والرفع
كالبصريين ، ونقل عن
الفراء في هذا الموضع أنه لا يجوز نصب الأشهر : لأن " أشهرا " نكرة غير محصورة . وهذا النقل مخالف لما نقلنا نحن عنه ، فيمكن أن يكون له القولان ، قول
البصريين وقول
هشام ، وجمع شهر على أفعل : لأنه جمع قلة بخلاف قوله : (
إن عدة الشهور ) ، فإنه جاء على فعول ، وهو جمع الكثرة .
وظاهر لفظ أشهر الجمع ، وهو شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة كله ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
والربيع ،
ومالك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وابن الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ،
والحسن ،
وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
والنخعي ،
وقتادة ،
ومكحول ،
والسدي ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وابن حبيب ، عن
مالك هي شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة . وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وصاحب ( المنتخب ) عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أن الثالث التسعة من ذي الحجة مع ليلة النحر : لأن الحج يفوت بطلوع الفجر . وهذان القولان فيهما مجاز ، إذ أطلق على بعض الشهر شهر .
وقال
الفراء : تقول العرب : له اليوم يومان لم أره ، وإنما هو يوم وبعض يوم آخر ، وإنما قالوا ذلك تغليبا لأكثر الزمان على أقله ، وهو كما نقل في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373930أيام منى ثلاثة أيام ، وإنما هي يومان وبعض الثالث ، وهو من باب إطلاق بعض على كل ، وكما قال الشاعر :
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
على أحد التأويلين ، قيل : ولأن العرب توقع الجمع على التثنية إذ كانت التثنية أقل الجمع ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت فكيف كان الشهران وبعض الشهر أشهرا ؟ قلت : اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد ، بدليل قوله تعالى : (
فقد صغت قلوبكما ) : فلا سؤال فيه إذن ، وإنما يكون موضعا للسؤال لو قيل : ثلاثة أشهر معلومات ، انتهى كلامه .
وما ذكره الدعوى فيه عامة ، وهو أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد ، وهذا فيه النزاع . والدليل الذي ذكره خاص ، وهو : (
فقد صغت قلوبكما ) ، وهذا لا خلاف فيه ، ولإطلاق الجمع في مثل هذا على التثنية شروط ذكرت في النحو ، و " أشهر " ليس من باب : (
فقد صغت قلوبكما ) ، فلا يمكن أن يستدل به عليه . وقوله فلا سؤال فيه إذن ، ليس بجيد : لأنه فرض السؤال بقوله فإن قلت ، وقوله : فإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل : ثلاثة أشهر معلومات ، ولا فرق عندنا بين شهر وبين قوله ثلاثة أشهر : لأنه كما يدخل المجاز في لفظ أشهر ، كذلك قد يدخل المجاز في العدد ، ألا ترى إلى ما حكاه
الفراء له اليوم يومان لم أره ؟ قال : وإنما هو يوم وبعض يوم آخر ، وإلى قول
امرئ القيس :
ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
على ما قدمنا ذكره ، وإلى ما حكي عن العرب ، ما رأيته مذ خمسة أيام وإن كنت قد رأيته في اليوم الأول والخامس ، فلم يشمل الانتفاء خمسة أيام جميعها ، بل تجعل : ما رأيته في بعضه ، وانتفت الرؤية في بعضه ، كان يوم كامل لم تره فيه ، فإذا كان هذا موجودا في كلامهم ، فلا فرق بين أشهر وبين ثلاثة أشهر ، لكن مجاز الجمع أقرب من مجاز العدد .
قالوا : وثمرة الخلاف بين قول من جعل الأشهر هي الثلاثة بكمالها ، وبين من جعلها شهرين وبعض الثالث ، يظهر في تعلق الدم فيما يقع من الأعمال يوم النحر ، فعلى القول الأول لا يلزمه دم : لأنها وقعت في أشهر الحج ، وعلى الثاني يلزمه : لأنه قد انقضى الحج بيوم النحر ، وأخر عمل ذلك عن وقته .
وفائدة التوقيت بالأشهر أن شيئا من أفعال الحج لا يصح إلا فيها ، ويكره الإحرام بالحج في غيرها عند
أبي حنيفة ،
ومالك ،
وأحمد ، وبه قال
النخعي . قال : ولا يحل حتى يقضي حجه . وقال
عطاء ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأبو الثور : لا يصح ، وينقلب عمرة ويحل لها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : من سنة الحج الإحرام به . وسبب الخلاف اختلافهم في المحذوف في قوله : (
الحج أشهر معلومات ) ، هل التقدير الإحرام
[ ص: 86 ] بالحج أو أفعال الحج ؟ وذكر الحج في هذه الأشهر لا يدل على أن العمرة لا تقع ، وما روي عن
عمر وابنه
عبد الله أن العمرة لا تستحب فيها ، فكأن هذه الأشهر مخلصة للحج . وروي أن
عمر كان يخفق الناس بالدرة ، وينهاهم عن الاعتمار فيهن ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال لرجل : إن أطلقني انتظرت ، حتى إذا أهللت المحرم خرجت إلى
ذات عرق فأهللت منها بعمرة . ومعنى " معلومات " معروفات عند الناس ، وأن مشروعية الحج فيها إنما جاءت على ما عرفوه وكان مقررا عندهم .