(
فهزموهم بإذن الله ) أي : فغلبوهم بتمكين الله . (
وقتل داود جالوت ) طول المفسرون في قصة كيفية قتل
داود لجالوت ، ولم ينص الله على شيء من الكيفية ، وقد اختصر ذلك
السجاوندي اختصارا يدل على المقصود ، فقال : كان أصغر بنيه ، يعني بني
إيشا والد
داود ، الثلاثة عشر . وكان مخلفا في الغنم ، وأوحي إلى نبيهم أن قاتل
جالوت من استوت عليه من ولد
إيشا درع عند
طالوت ، فلم تستو إلا على
داود ، وقيل : لما برز
جالوت نادى
طالوت : من قتل
جالوت أشاطره ملكي وأزوجه بنتي ، فبرز
داود ورماه بحجر في قذافة فنفذ من بين عينيه إلى قفاه وأصاب عسكره ، فقتل جماعة وانهزموا ، ثم ندم
طالوت من شرطه بعد الوفاء ، وهم بقتل
داود ، ومات تائبا قاله
الضحاك . وقال
وهب : ندم قبل الوفاء ومات عاصيا ، وقيل : أصاب
داود موضع أنف
جالوت ، وقيل : تفتت الحجر حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه ، كالقبضة التي رمى بها رسول الله يوم
حنين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : كان
أبو داود في عسكر
طالوت مع ستة من بنيه ، وكان
داود سابعهم وهو صغير يرعى الغنم ، فأوحي إلى
شمويل أن
داود بن إيشا يقتل
جالوت ، فطلبه من أبيه ، فجاء وقد مر في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله ، وقالت له : إنك تقتل بنا
جالوت ، فحملها في مخلاته ، ورمى بها
جالوت فقتله ، وزوجه
طالوت بنته ، وروي أنه حسده وأراد قتله ، ثم تاب ، انتهى . وروي : أن
داود كان من أرمى الناس بالمقلاع ، وروي : أن الأحجار التأمت في المخلاة فصارت حجرا واحدا . (
وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) روي أن
طالوت تخلى
لداود عن الملك ، فصار الملك .
[ ص: 269 ] وروي : أن
بني إسرائيل غلبت
طالوت على ذلك بسبب قتل
داود جالوت ، وروي أن
طالوت أخاف
داود فهرب منه ، فكان في جبل إلى أن مات
طالوت ، فملكته
بنو إسرائيل ، قال
الضحاك والكلبي : ملك
داود بعد قتل
جالوت سبع سنين ، فلم يجتمع
بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على
داود . واختلف أكان
داود نبيا عند قتل
جالوت أم لا ؟ فقيل : كان نبيا ؛ لأن خوارق العادات لا تكون إلا من الأنبياء . وقال
الحسن : لم يكن نبيا ؛ لأنه لا يجوز أن يتولى من ليس بنبي على نبي ، والحكمة وضع الأمور مواضعها على الصواب ، وكمال ذلك إنما يحصل بالنبوة ، ولم يكن ذلك لغيره قبله ، كان الملك في سبط والنبوة في سبط ، فلما مات
شمويل وطالوت اجتمع
لداود الملك والنبوة .
وقال
مقاتل : ( الحكمة ) الزبور ، وقيل : العدل في السيرة . وقيل : ( الحكمة ) العلم والعمل به . وقال
الضحاك : هي سلسلة كانت متدلية من السماء لا يمسكها ذو عاهة إلا برئ ، يتحاكم إليها ، فمن كان محقا تمكن منها حتى إن رجلا كانت عنده درة لرجل ، فجعلها في عكازته ودفعها إليه أن احفظها حتى أمس السلسلة ، فتمكن منها لأنه ردها ، فرفعت لشؤم احتياله . وإذا كانت الحكمة كان ذكر الملك قبلها والنبوة بعده من باب الترقي .
(
وعلمه مما يشاء ) قيل : صنعة الدروع . وقيل : منطق الطير وكلامه للنحل والنمل . وقيل : الزبور . وقيل : الصوت الطيب والألحان . وقيل : ولم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوته ، كان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها ، وتظله الطير مصيخة له ، ويركد الماء الجاري ، وتسكن الريح ، وما صنعت المزامير والصنوج إلا على صوته . وقيل : (
مما يشاء ) فعل الطاعات والأمر بها ، واجتناب المعاصي . والضمير الفاعل في ( يشاء ) عائد على
داود أي : مما يشاء
داود .