(
وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) تقدم الكلام على
[ ص: 274 ] تفسير هذه الجملة بعد قوله : (
ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل ) فأغنى ذلك عن إعادته هنا ، وخص من كلمه الله وعيسى من بين الأنبياء لما أوتيا من الآيات العظيمة ، والمعجزات الباهرة ، ولأن آيتيهما موجودتان ، فتخصيصهما بالذكر طعن على تابعيهما حيث لم ينقادوا لهذين الرسولين العظيمين ، ووقع منهم المنازعة والخلاف . ونص هنا
لعيسى على الآيات البينات تقبيحا لأفعال
اليهود حيث أنكروا نبوته مع ما ظهر على يديه من الآيات الواضحة ، ولما كان نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أوتي ما لم يؤته أحد من كثرة المعجزات وعظمها ، وكان المشهود له بإحراز قصبات السبق ، حف ذكره بذكر هذين الرسولين العظيمين ، ليحصل لكل منهما بمجاورة ذكره الشرف ، إذ هو بينهما واسطة عقد النبوة ، فينزل منهما منزلة واسطة العقد التي يزدان بها ما جاورها من اللآلئ ، وتنوع هذا التقسيم ولم يرد على أسلوب واحد ، فجاءت الجملة الأولى من مبتدأ وخبر مصدرة بمن الدالة على التقسيم ، وجاءت الثانية فعلية مسندة لضمير اسم الله لا لفظه لقربه ، إذ لو أسند إلى الظاهر لكان منهم من كلم الله ، ورفع الله ، فكان يقرب التكرار ، فكان الإضمار أحسن .
وفي الجملتين : المفضل منهم لا معين بالاسم ، لكن يعين الأول صلة الموصول ؛ لأنها معلومة عند السامع ، ويعين الثاني ما أخبر به عنه ، وهو أنه مرفوع على غيره من الرسل بدرجات ، وهذه الرتبة ليست إلا
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وجاءت الثانية فعلية مسندة لضمير المتكلم على سبيل الالتفات ، إذ قبله غائب ، وكل هذا يدل على التوسع في أفانين البلاغة وأساليب الفصاحة .