(
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) شكا
بنو المغيرة العسرة وقالوا : أخرونا إلى أن تدرك الغلات ، فأبوا أن يؤخروا ، فنزلت ، قيل : هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من
[ ص: 340 ] بيع من أعسر بدين ، وقيل : أمر به في صدر الإسلام ، فإن ثبت هذا فهو نسخ ، وإلا فليس بنسخ والعسرة ضيق الحال من جهة عدم المال ، ومنه : جيش العسرة ، والنظرة : التأخير ، والميسرة : اليسر .
وقرأ الجمهور : ذو عسرة ، على أن : كان تامة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ،
وأبي علي ، وإن وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة ، وأجاز بعض الكوفيين أن تكون : كان ، ناقصة هنا ، وقدر الخبر : وإن كان من غرمائكم ذو عسرة فحذف المجرور الذي هو الخبر ، وقدر أيضا : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حق ، وحذف خبر كان لا يجوز عند أصحابنا ، لا اقتصارا ولا اختصارا لعلة ذكروها في النحو .
وقرأ
أبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
وعثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ( ذا عسرة ) وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ( معسرا ) وحكى
الداني عن
أحمد بن موسى أنها كذلك في مصحف
أبي علي إن في كان اسمها ضميرا تقديره : هو ، أي : الغريم ، يدل على إضماره ما تقدم من الكلام ؛ لأن المرابي لا بد له ممن يرابيه .
وقرئ ( ومن كان ذا عسرة ) وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان ، وحكى
المهدوي أن في مصحف
عثمان ( فإن كان ) بالفاء ، فمن نصب ذا عسرة أو قرأ معسرا ، وذلك بعد (
وإن كان ) فقيل : يختص بأهل الربا ، ومن رفع فهو عام في جميع من عليه دين وليس بلازم ؛ لأن الآية إنما سيقت في أهل الربا ، وفيهم نزلت ، وقيل : ظاهر الآية يدل على أن الأصل الإيسار ، وأن العدم طارئ جاذب يحتاج إلى أن يثبت .
(
فنظرة إلى ميسرة ) قرأ الجمهور (
فنظرة ) على وزن نبقة ، وقرأ
أبو رجاء ،
ومجاهد ،
والحسن ،
والضحاك ،
وقتادة : بسكون الظاء وهي لغة تميمية ، يقولون في : كبد كبد . وقرأ
عطاء ( فناظرة ) على وزن : فاعلة وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج على أنها مصدر كقوله تعالى : (
ليس لوقعتها كاذبة ) وكقوله : (
تظن أن يفعل بها فاقرة ) وكقوله : (
يعلم خائنة الأعين ) وقال : قرأ
عطاء ( فناظرة ) بمعنى : فصاحب الحق ناظره ، أي : منتظره ، أو صاحب نظرته ، على طريقة النسب ، كقولهم : مكان عاشب ، وباقل ، بمعنى : ذو عشب وذو بقل ، وعنه : فناظره ، على الأمر بمعنى : فسامحه بالنظرة ، وباشره بها ، انتهى ، ونقلها
ابن عطية ، وعن
مجاهد : جعلاه أمرا ، والهاء ضمير الغريم ، وقرأ
عبد الله ( فناظروه ) أي : فأنتم ناظروه ، أي : فأنتم منتظروه ، فهذه ست قراءات ، ومن جعله اسم مصدر أو مصدرا فهو يرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : فالأمر والواجب على صاحب الدين نظرة منه لطلب الدين من المدين إلى ميسرة منه .
وقرأ
نافع وحده ( ميسرة ) بضم السين ، والضم لغة
أهل الحجاز ، وهو قليل ; كمقبرة ، ومشرفة ، ومسربة ، والكثير مفعلة بفتح العين ، وقرأ الجمهور بفتح السين على اللغة الكثيرة ، وهي لغة
أهل نجد ، وقرأ
عبد الله ( إلى ميسوره ) على وزن مفعول مضافا إلى ضمير الغريم ، وهو عند
الأخفش مصدر كالمعقول والمجلود في قولهم : ماله معقول ولا مجلود ، أي : عقل وجلد ، ولم يثبت
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه مفعولا مصدرا ، وقرأ
عطاء ومجاهد ( إلى ميسره ) بضم السين وكسر الراء بعدها ضمير الغريم . وقرئ كذلك بفتح السين ، وخرج ذلك على حذف التاء لأجل الإضافة ، كقوله :
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
أي : عدة ، وهذا - أعني حذف التاء - لأجل الإضافة ، هو مذهب
الفراء وبعض المتأخرين ، وأداهم إلى هذا التأويل : أن مفعلا ليس في الأسماء المفردة ، فأما في الجمع فقد ذكروا ذلك في قول
nindex.php?page=showalam&ids=16559عدي بن زيد :
أبلغ النعمان عنى مألكا أنه قد طال حبسي وانتظاري
وفي قول
جميل :
بثين الزمي لا إن لا إن لزمته على كثرة الواشين أي معون
فمألك ومعون جمع مألكة ومعونة ، وكذلك قوله :
ليوم روع أو فعال مكرم
هذا تأويل
أبي علي ، وتأول
أبو الفتح على أنها مفردة حذف منها التاء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : ليس في
[ ص: 341 ] الكلام مفعل ، يعني في الآحاد ، كذا قال
أبو علي ، وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : مهلك ، مثلث اللام ، وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أن يكون : مفعل واحدا ولا يخالف قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، إذ يقال : ليس في الكلام كذا ، وإن كان قد جاء منه حرف أو حرفان ، كأنه لا يعتد بالقليل ، ولا يجعل له حكم ، وتقدم شيء من الإشارة إلى الخلاف : أهذا الإنظار يختص بدين الربا ؟ وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وشريح ، أم ذلك عام في كل معسر بدين ربا أو غيره ؟ وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
والحسن ،
وعطاء ،
والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14355والربيع بن خيثم ، وعامة الفقهاء .
وقد جاء في
فضل إنظار المعسر أحاديث كثيرة ، منها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374026من أنظر معسرا ، ووضع عنه ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " . ومنها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374027يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول : يا رب ما عملت لك خيرا قط أريدك به إلا أنك رزقتني مالا فكنت أوسع على المقتر ، وأنظر المعسر ، فيقول الله عز وجل : أنا أحق بذلك منك ، فتجاوزوا عن عبدي " .
(
وأن تصدقوا خير لكم ) أي : تصدقوا على الغريم برأس المال أو ببعضه خير من الإنظار ، قاله
الضحاك والسدي ،
وابن زيد ، والجمهور ، وقيل : وأن تصدقوا فالإنظار خير لكم من المطالبة ، وهذا ضعيف ؛ لأن الإنظار للمعسر واجب على رب الدين ، فالحمل على فائدة جديدة أولى ، ولأن : أفعل التفضيل باقية على أصل وصفها ، والمراد بالخير : حصول الثناء الجميل في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة . وقال
قتادة : ندبوا إلى أن يتصدقوا برءوس أموالهم على الغني والفقير .
وقرأ الجمهور (
وأن تصدقوا ) بإدغام التاء في الصاد ، وقرأ
عاصم (
تصدقوا ) بحذف التاء ، وفي مصحف
عبد الله ( تتصدقوا ) بتاءين وهو الأصل ، والإدغام تخفيف ، والحذف أكثر تخفيفا .
(
إن كنتم تعلمون ) : يريد العمل ، فجعله من لوازم العلم ، وقيل : تعلمون
فضل التصدق على الإنظار والقبض ، وقيل : تعلمون أن ما أمركم به ربكم أصلح لكم .
قيل : آخر آية نزلت آية الربا ، قاله
عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، ويحمل على أنها من آخر ما نزل ؛ لأنه الجمهور قالوا : آخر آية نزلت : (
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) فقيل : قبل موته بتسع ليال ، ثم لم ينزل شيء . وروي : بثلاث ساعات ، وقيل : عاش بعدها أحدا وثمانين يوما ، وقيل : أحدا وعشرين يوما ، وقيل : سبعة أيام ، وروي أنه قال : " اجعلوها بين آية الربا وآية الدين " . وروي أنه قال ، عليه السلام : جاءني
جبريل فقال : اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية من البقرة ، وتقدم الكلام على : واتقوا يوما ، في قوله : (
واتقوا يوما لا تجزي ) .
وقرأ
يعقوب ،
وأبو عمرو ( ترجعون ) مبنيا للفاعل ، وخبر
عباس عن
أبي عمرو ، وقرأ باقي السبعة مبنيا للمفعول وقرأ
الحسن ( يرجعون ) على معنى يرجع جميع الناس ، وهو من باب الالتفات ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : كان الله تعالى رفق بالمؤمنين عن أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تتفطر له القلوب ، فقال لهم : (
واتقوا ) ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقا بهم ، انتهى ، وقرأ
أبي ( تردون ) بضم التاء ، حكاه عنه
ابن عطية ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرأ
عبد الله ( يردون ) وقرأ
أبي ( تصيرون ) انتهى .
قال الجمهور : والمراد بهذا اليوم يوم القيامة ، وقال قوم : هو يوم الموت ، والأول أظهر لقوله : (
ثم توفى كل نفس ما كسبت ) والمعنى إلى حكم الله وفصل قضائه .
(
ثم توفى كل نفس ) أي : تعطى وافيا جزاء ( ما كسبت ) من خير وشر ، وفيه نص على تعلق الجزاء بالكسب ، وفيه رد على الجبرية .
(
وهم لا يظلمون ) أي : لا ينقصون مما يكون جزاء العمل الصالح من الثواب ، ولا يزادون على جزاء العمل السيء من العقاب ، وأعاد الضمير أولا في ( كسبت ) على لفظ النفس ، وفي قوله : (
وهم لا يظلمون ) على المعنى لأجل فاصلة الآي ، إذ لو أتى وهي لا تظلم لم تكن فاصلة ، ومن قرأ ( يرجعون ) بالياء فتجيء ( وهم ) عليه غائبا مجموعا لغائب مجموع .