(
إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) الحسنة هنا ما يسر من رخاء وخصب ونصرة وغنيمة ، ونحو ذلك من المنافع . والسيئة ضد ذلك . بين تعالى بذلك فرط عداوتهم حيث يسوؤهم ما نال المؤمنين من الخير ، ويفرحون بما يصيبهم من الشدة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المس مستعار لمعنى الإصابة ، فكان المعنى واحدا . ألا ترى إلى قوله : (
إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة ) الآية (
ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) (
إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ) وقال
ابن عطية : ذكر الله تعالى المس في الحسنة ليبين أن بأدنى طروء الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين ، ثم عادل ذلك في السيئة بلفظ الإصابة ، وهي عبارة عن التمكن ؛ لأن الشيء المصيب لشيء هو متمكن منه ، أو فيه . فدل هذا النوع البليغ على شدة العداوة ، إذ هو حقد لا يذهب عند نزول الشدائد ، بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين . انتهى كلامه .
والنكرة هنا في سياق الشرط بأن تعم عموم البدل ، ولم يأت معرفا لإيهام التعيين بالعهد ، ولإيهام العموم الشمولي . وقابل الحسنة بالسيئة ، والمساءة بالفرح
[ ص: 43 ] وهي مقابلة بديعة .
قال
قتادة والربيع nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج : الحسنة بظهوركم على العدو ، والغنيمة منهم ، والتتابع بالدخول في دينكم ، وخصب معاشكم . والسيئة بإخفاق سرية منكم ، أو إصابة عدو منكم ، أو اختلاف بينكم . وقال
الحسن : الحسنة : الألفة واجتماع الكلمة . والسيئة إصابة العدو ، واختلاف الكلمة . وقال
ابن قتيبة : الحسنة النعمة . والسيئة المصيبة . وهذه الأقوال هي على سبيل التمثيل ، وليست على سبيل التعيين .
(
وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : وإن تصبروا على أذاهم ، وتتقوا الله ، ولا تقنطوا ، ولا تسأموا أذاهم وتكرر . وقال مقاتل : وإن تصبروا على أمر الله ، وتتقوا مباطنتهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا : وإن تصبروا على الإيمان وتتقوا الشرك . وقيل : وإن تصبروا على الطاعة وتتقوا المعاصي . وقيل : وإن تصبروا على حربهم . والذي يظهر أنه لم يذكر هنا متعلق الصبر ، ولا متعلق التقوى . لكن الصبر هو حبس النفس على المكروه ، والتقوى اتخاذ الوقاية من عذاب الله . فيحسن أن يقدر المحذوف من جنس ما دل عليه لفظ الصبر ولفظ التقوى . وفي هذا تبشير للمؤمنين ، وتثبيت لنفوسهم ، وإرشاد إلى الاستعانة على كيد العدو بالصبر والتقوى .
وقرأ الجمهور : إن تمسسكم بالتاء . وقرأ
السلمي بالياء معجمة من أسفل ؛ لأن تأنيث الحسنة مجازي . وقرأ الحرميان ،
وأبو عمرو ،
وحمزة في رواية عنه : لا يضركم من ضار يضير . ويقال : ضار يضور ، وكلاهما بمعنى ضر . وقرأ الكوفيون
وابن عامر : لا يضركم - بضم الضاد والراء المشددة ، من ضر يضر . واختلف ، أحركة الراء إعراب فهو مرفوع ، أم حركة إتباع لضمة الضاد وهو مجزوم كقولك : مد ؟ ونسب هذا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، فخرج الإعراب على التقديم . والتقدير : لا يضركم أن تصبروا ، ونسب هذا القول إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . وخرج أيضا على أن " لا " بمعنى ليس ، مع إضمار الفاء . والتقدير : فليس يضركم ، وقاله
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي . وقرأ
عاصم فيما روى
أبو زيد عن
المفضل عنه بضم الضاد وفتح الراء المشددة . وهي أحسن من قراءة ضم الراء نحو لم يرد
زيد ، والفتح هو الكثير المستعمل . وقرأ
الضحاك بضم الضاد وكسر الراء المشددة على أصل التقاء الساكنين . وقال
ابن عطية : فأما الكسر فلا أعرفه قراءة ، وعبارة
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج في ذلك متجوز فيها ؛ إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة . انتهى . وهي قراءة كما ذكرنا عن
الضحاك . وقرأ
أبي : " لا يضرركم " - بفك الإدغام ، وهي لغة أهل الحجاز ، وعليها في الآية : إن تمسسكم . ولغة سائر العرب الإدغام في هذا كله .
(
إن الله بما يعملون محيط ) من قرأ بالياء فهو وعيد ، والمعنى : محيط جزاؤه . وعبر بالإحاطة عن الاطلاع التام والقدرة والسلطان . ومن قرأ بالتاء - وهو
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن - فعلى الالتفات للكفار ، أو على إضمار قل لهم يا
محمد . أو على أنه خطاب للمؤمنين تضمن توعدهم في اتخاذ بطانة من الكفار .
قالوا : وتضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة . منها : الوصل والقطع في "
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة " . والتكرار في "
أصحاب النار هم " . والعدول عن اسم الفاعل إلى غيره في : " يتلون " وما بعده ، وفي " يظلمون " . والاكتفاء بذكر بعض الشيء عن كله إذا كان فيه دلالة على الباقي في : "
يؤمنون بالله واليوم الآخر " . والمقابلة في : " تأمرون " و " تنهون " ، وفي المعروف والمنكر . ويجوز أن يكون طباقا معنويا ، وفي " حسنة " و " سيئة " ، وفي " تسؤهم " و " يفرحوا " . والاختصاص في "
عليم بذات الصدور " . والتشبيه في : "
مثل ما ينفقون " ، وفي "
بطانة " ، وفي "
عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " على أحد التأويلين ، وفي "
تمسسكم حسنة " و "
تصبكم سيئة " . شبه حصولهما بالمس والإصابة ، وهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ، والصحيح أن هذه استعارة . وفي محيط شبه القدرة على الأشياء والعلم بها بالشيء المحدق بالشيء من جميع جهاته ، وهو من
[ ص: 44 ] تشبيه المعقول بالمحسوس . والتجنيس المماثل في " ظلمهم " و " يظلمون " ، وفي "
تحبونهم ولا "
يحبونكم " ، وفي " تؤمنون " و " آمنا " ، وفي "
من الغيظ " و "
بغيظكم " . والالتفات : في و " ما تفعلوا من خير فلن تكفروه " على قراءة من قرأ بالتاء ، وفي "
بما تعملون محيط " على أحد الوجهين . وتسمية الشيء باسم محله في "
من أفواههم " عبر بها عن الألسنة ؛ لأنها محلها . والحذف في مواضع .