(
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المعنى أن موت الأنفس محال أن تكون إلا بمشيئة الله ، فأخرجه مخرج فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا أن يأذن الله له فيه تمثيلا ؛ ولأن ملك الموت هو الموكل بذلك ، فليس له أن يقبض نفسا إلا بإذن من الله . وهو على معنيين : أحدهما : تحريضهم على الجهاد ، وتشجيعهم على لقاء العدو ، بإعلامهم أن الحذر لا ينفع ، وأن أحدا لا يموت قبل بلوغ أجله ، وإن خاض المهالك واقتحم المعارك . والثاني : ذكر ما صنع الله تعالى برسوله عند غلبة العدو ، والتفافهم عليه ، وإسلام قومه له نهزة للمختلسين من الحفظ والكلاء وتأخر الأجل . انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وهو حسن ، وهو بسط كلام غيره من المفسرين أنه لا تموت نفس إلا بأجل محتوم . فالجبن لا يزيد في الحياة ، والشجاعة لا تنقص منها . وفي هذه الجملة تقوية للنفوس
[ ص: 70 ] على الجهاد ، وفيها تسلية في موت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقول العرب : ما كان لزيد أن يفعل ، معناه انتفاء الفعل عن زيد وامتناعه . فتارة يكون الامتناع في مثل هذا التركيب لكونه ممتنعا عقلا ، كقوله تعالى : (
ما كان لله أن يتخذ من ولد ) وقوله : (
ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) وتارة لكونه ممتنعا عادة نحو : ما كان لزيد أن يطير . وتارة لكونه ممتنعا شرعا ، كقوله تعالى : (
وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ) وتارة لكونه ممتنعا أدبا ، كقول
أبي بكر : ما كان
nindex.php?page=showalam&ids=1لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويفهم هذا من سياق الكلام . ولا تتضمن هذه الصيغة نهيا كما يقوله بعضهم .
وقوله : لنفس ، المراد الجنس لا نفس واحدة . ومعنى : إلا بإذن الله ، أي بتمكينه وتسويغه ذلك . وقد تقدم شرح الإذن ، والأحسن فيه أنه تمكين من الشيء مع العلم به ، فإن انضاف إلى ذلك قول فيكون أمرا . والمعنى : إلا بإذن الله للملك الموكل بالقبض . و "
أن تموت " في موضع اسم كان ، و " لنفس " هو في موضع الخبر ، فيتعلق بمحذوف . وجعل بعضهم " كان " زائدة ، فيكون "
أن تموت " في موضع مبتدأ ، ولنفس في موضع خبره . وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج على المعنى ، فقال : وما كانت نفس لتموت ، فجعل ما كان اسما خبرا ، وما كان خبرا اسما ، ولا يريد بذلك الإعراب ، إنما فسر من جهة المعنى . وقال
أبو البقاء : اللام في " لنفس " للتبيين ، متعلقة بكان . انتهى . وهذا لا يتم إلا إن كانت " كان " تامة ، وقول من قال : هي متعلقة بمحذوف تقديره : وما كان الموت لنفس ، و "
أن تموت " تبيين للمحذوف مرغوب عنه ؛ لأن اسم كان إن كانت ناقصة أو الفاعل إن كانت تامة - لا يجوز حذفه ، ولما في حذفه أن لو جاز من حذف المصدر وإبقاء معموله ، وهو لا يجوز على مذهب البصريين .
(
كتابا مؤجلا ) : أي له أجل لا يتقدم ولا يتأخر ، وفي هذا رد على
المعتزلة في قولهم بالأجلين . والكتابة هنا عبارة عن القضاء ، وقيل : مكتوبا في اللوح المحفوظ مبينا فيه . ويحتمل هذا الكلام أن يكون جوابا لقولهم : "
لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " . وانتصاب كتابا على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة والتقدير : كتب الله كتابا مؤجلا ونظيره : (
كتاب الله عليكم ) (
صنع الله ) و (
وعد الله ) . وقيل : هو منصوب على الإغراء ، أي الزموا وآمنوا بالقدر ، وهذا بعيد . وقال
ابن عطية : " كتابا " نصب على التمييز ، وهذا لا يظهر ، فإن التمييز كما قسمه النحاة ينقسم إلى منقول وغير منقول ، وأقسامه في النوعين محصورة ، وليس هذا واحدا منها .
(
ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ) : هذا تعريض بالذين رغبوا في الغنائم يوم
أحد واشتغلوا بها ، والذين ثبتوا على القتال فيه ولم يشغلهم شيء عن نصرة الدين ، وهذا الجزاء من إيتاء الله من أراد ثواب الدنيا مشروط بمشيئة الله تعالى ، كما جاء في الآية الأخرى : (
عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) .
وقوله : " نؤته " بالنون فيهما وفي : "
سنجزي " قراءة الجمهور وهو التفات ، إذ هو خروج من غيبة إلى تكلم بنون العظمة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : يؤته بالياء فيهما وفي " سيجزي " ، وهو جار على ما سبق من الغيبة . قال
ابن عطية : وذلك على حذف الفاعل ؛ لدلالة الكلام عليه . انتهى . وهو وهم ، وصوابه : على إضمار الفاعل ، والضمير عائد على الله . وظاهر التقسيم يقتضي اختصاص كل واحد بما أراد ؛ لأن من كانت نيته مقصورة على طلب دنياه لا نصيب له في الآخرة ، لكن من كانت نيته مقصورة على طلب الآخرة قد يؤتى نصيبا من الدنيا .
وللمفسرين فيها أقوال : نؤته نصيبا من الغنيمة لجهاده الكفار ، أو لم نحرمه ما قسمناه له ، إذ من طلب الدنيا بعمل الآخرة نؤته منها ، وما له في الآخرة من نصيب . أو هي خاصة في أصحاب
أحد ، أو من أراد ثواب الدنيا بالتعرض لها بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر ، جوزي عليها في الدنيا والآخرة .
(
وسنجزي الشاكرين ) : وعد لمن شكر نعم الله ، فقصر همه ونيته على طلب ثواب الآخرة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : وفيه
[ ص: 71 ] إشارة إلى أنهم ينعمهم الله بنعيم الدنيا ، ولا يقصرهم على نعيم الآخرة . وأظهر الحرميان ،
وعاصم ،
وابن عامر في بعض طرق من رواية
هشام ،
وابن ذكوان دال " يرد " عند " ثواب " ، وأدغم في الوصل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون والحلواني عن
هشام من طريق باختلاس الحركة ، وقرأ الباقون بالإشباع . وأما في الوقف فبالسكون للجميع . ووجه الإسكان أن الهاء لما وقعت موقع المحذوف الذي كان حقه لو لم يكن حرف علة أن يسكن ، فأعطيت الهاء ما تستحقه من السكون . ووجه الاختلاس بأنه استصحب ما كان للهاء قبل أن تحذف الياء ؛ لأنه قبل الحذف كان أصله " يؤتيه " ، والحذف عارض ، فلا يعتد به . ووجه الإشباع بأنه جاز نظرا إلى اللفظ وإن كانت الهاء متصلة بحركة ، والأولى ترك هذه التوجيهات ، فإن اختلاس الضمة والكسرة بعد متحرك لغة حكاها
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي عن
بني عقيل وبني كلاب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : سمعت أعراب
كلاب وعقيل يقولون : (
إن الإنسان لربه لكنود ) ولربه لكنود بغير تمام وله مال ، وله مال . وغير
بني كلاب وبني عقيل لا يوجد في كلامهم اختلاس ، ولا سكون في " له " وشبهه إلا في ضرورة نحو قول الشاعر :
له زجل كأنه صوت حاد إذا طلب الوسيقة أو زمير
وقول الآخر :
وأشرب الماء ما بي نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها