(
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) : أي فرجعوا من
بدر مصحوبين بنعمة من الله وهي : السلامة وحذر العدو إياهم ، وفضل : وهو الربح في التجارة . كقوله : (
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) هذا الذي اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسير هذا الانقلاب ، ولم يذكر غيره ، وهو قول
مجاهد . قال
ابن عطية : والجمهور على أن معنى هذه الآية فانقلبوا بنعمة ، يريد : في السلامة والظهور ، وفي اتباع العدو ، وحماية الحوزة ، وبفضل في الأجر الذي حازوه ، والفخر الذي تخللوه ، وأنها في غزوة
أحد في الخرجة إلى حمراء الأسد . وشذ
مجاهد وقال : في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى
بدر الصغرى ، وذكر قصة
نعيم وأبي سفيان . قال : والصواب ما قاله الجمهور : إن هذه الآية نزلت في غزوة
حمراء الأسد . انتهى كلامه .
والكلام في هذه الآية مبني على الخلاف في قوله : (
الذين استجابوا لله والرسول ) وقد تقدم ذكره عند ذكر تفسيرها . وفرق بعضهم بين الانقلاب والرجوع ، بأن الانقلاب صيرورة الشيء إلى خلاف ما كان عليه . قال : ويوضح هذا أنك تقول : انقلبت الخمر خلا ، ولا تقول : رجعت الخمر خلا . انتهى كلامه ، وفي ذلك نظر . وقيل : النعمة الأجر . قاله
مجاهد . وقيل : العافية والنصر . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . قيل : والفضل ربح التجارة . قاله
مجاهد ،
والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري . وتقدم حكاية هذا القول عن
مجاهد . وقيل : أصابوا سرية بالصفراء فرزقوا منها . قاله
مقاتل . وقيل : الثواب . ذكره
الماوردي . والجملة من قوله : "
لم يمسسهم سوء " في موضع الحال ، أي سالمين . و " بنعمة " حال أيضا ؛ لأن الباء فيه باء المصاحبة ، أي انقلبوا متنعمين سالمين . والجملة الحالية المنفية بلم المشتملة على ضمير ذي الحال ، يجوز دخول الواو عليها ، وعدم دخولها . فمن الأول قوله تعالى : (
أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ) ، وقول الشاعر :
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب وإن كثرت في الأقاويل
ومن الثاني قوله تعالى : (
ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ) وقول
قيس بن الأسلت :
وأضرب القونس يوم الوغى بالسيف لم يقصر به باعي
ووهم الأستاذ
nindex.php?page=showalam&ids=13110أبو الحسن بن خروف في ذلك فزعم أنها إذا كانت الجملة ماضية معنى لا لفظا احتاجت إلى الواو كان فيها ضميرا ، ولم يكن فيها . والمستعمل في لسان العرب ما ذكرناه .
واتباعهم رضوان الله هو بخروجهم إلى العدو ، وجراءتهم ، وطواعيتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - . وختمها بقوله : "
والله ذو فضل عظيم " ، مناسب لقوله : (
بنعمة من الله وفضل ) تفضل عليهم بالتيسير والتوفيق في ما فعلوه ، وفي ذلك تحسير لمن تخلف عن الخروج حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء من الثواب في الآخرة والثناء الجميل في الدنيا . وروي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا ؟ فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو ، ورضي عنهم . وهذه عاقبة تفويض أمرهم إليه تعالى ، جازاهم بنعمته ، وفضله ، وسلامتهم واتباعهم رضاه .