قوله : (
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) السجود : التذلل والخضوع ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت : هو الميل ، وقال بعضهم : سجد : وضع جبهته بالأرض ، وأسجد : ميل رأسه وانحنى ، وقال الشاعر :
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
يريد أن الحوافر تطأ الأكم ، فجعل تأثر الأكم للحوافر سجودا مجازا ، وقال آخر :
كما سجدت نصرانة لم تحنف
وقال آخر :
سجود النصارى لأحبارها
يريد الانحناء .
إبليس : اسم أعجمي منع الصرف للعجمة والعلمية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : ووزنه فعليل ، وأبعد
أبو عبيدة وغيره في زعمه أنه مشتق من الإبلاس ، وهو الإبعاد من الخير ، ووزنه على هذا إفعيل ; لأنه قد تقرر في علم التصريف أن الاشتقاق العربي لا يدخل في الأسماء الأعجمية ، واعتذر من قال بالاشتقاق فيه عن منع الصرف بأنه لا نظير له في الأسماء ، ورد بإغريض ، وإزميل ، وإخريط ، وإجفيل ، وإعليط ، وإصليت ، وإحليل ، وإكليل ، وإحريض . وقد قيل : شبه بالأسماء الأعجمية ، فامتنع الصرف للعلمية وشبه العجمة ، وشبه العجمة هو أنه وإن كان مشتقا من الإبلاس فإنه لم يسم به أحد من العرب ، فصار خاصا بمن أطلقه الله عليه ، فكأنه دليل في لسانهم ، وهو علم مرتجل . وقد روي اشتقاقه من الإبلاس عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والسدي ، وما إخاله يصح . الإباء : الامتناع ، قال الشاعر :
وأما أن تقولوا قد أبينا فشر مواطن الحسب الإباء
والفعل منه : أبى يأبى ، ولما جاء مضارعه على يفعل ، بفتح العين وليس بقياس ، أجري كأنه مضارع ( فعل ) بكسر العين ، فقالوا فيه : يئبي بكسر حرف المضارعة ، وقد سمع فيه أبي بكسر العين فيكون يأبي على هذه اللغة قياسا ، ووافق من قال أبى بفتح العين على هذه اللغة . وقد زعم
أبو القاسم السعدي أن أبى يأبى بفتح العين لا خلاف فيه ، وليس بصحيح ، فقد حكى أبي بكسر العين صاحب المحكم . وقد جاء يفعل في أربعة عشر فعلا وماضيها فعل ، وليست عينه ولا لامه حرف حلق . وفي بعضها سمع أيضا فعل بكسر العين ، وفي بعض مضارعها سمع أيضا يفعل ويفعل بكسر العين وضمها ، ذكرها التصريفيون .
الاستكبار والتكبر : وهو مما جاء فيه استفعل بمعنى تفعل ، وهو أحد المعاني الاثني عشر التي جاءت لها استفعل ، وهي مذكورة في شرح ( نستعين ) .
(
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) لم يؤثر فيها سبب نزول سمعي ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أن الله تعالى لما شرف
آدم بفضيلة العلم ، وجعله معلما للملائكة وهم مستفيدون منه مع قولهم السابق : (
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) . أراد الله أن يكرم هذا الذي استخلفه بأن يسجد له ملائكته ، ليظهر بذلك مزية العلم على مزية العبادة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : قصة إبليس تقريع لمن أشبهه من بني
آدم ، وهم
اليهود الذين كفروا
بمحمد ، صلى الله عليه وسلم ، مع علمهم بنبوته ، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم . وإذ : ظرف ،
[ ص: 152 ] كما سبق فقيل بزيادتها ، وقيل : العامل فيها فعل مضمر يشيرون إلى اذكر . وقيل : هي معطوفة على ما قبلها ، يعني قوله : ( وإذ قال ربك ) ، ويضعف الأول بأن الأسماء لا تزاد ، والثاني أنها لازم ظرفيتها ، والثالث لاختلاف الزمانين فيستحيل وقوع العامل الذي اخترناه في ( إذ ) الأولى في ( إذ ) هذه . وقيل : العامل فيها أبى ، ويحتمل عندي أن يكون العامل في ( إذ ) محذوفا دل عليه قوله : ( فسجدوا ) ، تقديره : انقادوا وأطاعوا ; لأن السجود كان ناشئا عن الانقياد للأمر . وفي قوله : ( قلنا ) التفات ، وهو من أنواع البديع ; إذ كان ما قبل هذه الآية قد أخبر عن الله بصورة الغائب ، ثم انتقل إلى ضمير المتكلم وأتى بـ ( نا ) التي تدل على التعظيم وعلو القدرة . وتنزيله منزلة الجمع ، لتعدد صفاته الحميدة ومواهبه الجزيلة .
وحكمة هذا الالتفات وكونه بنون المعظم نفسه أنه صدر منه الأمر للملائكة بالسجود ، ووجب عليهم الامتثال ، فناسب أن يكون الأمر في غاية من التعظيم ; لأنه متى كان كذلك كان أدعى لامتثال المأمور فعل ما أمر به من غير بطء ولا تأول لشغل خاطره بورود ما صدر من المعظم . وقد جاء في القرآن نظائر لهذا ، منها : (
وقلنا ياآدم اسكن ) ، (
وقلنا اهبطوا ) ، (
قلنا يانار كوني بردا ) (
وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ) ، (
وقلنا لهم ادخلوا الباب ) ، (
وقلنا لهم لا تعدوا ) . فأنت ترى هذا الأمر وهذا النهي كيف تقدمهما الفعل المسند إلى المتكلم المعظم نفسه ; لأن الآمر اقتضى الاستعلاء على المأمور ، فظهر للمأمور بصفة العظمة ، ولا أعظم من الله تعالى ، والمأمورون بالسجود قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : عامة الملائكة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الملائكة الذين يحكمون في الأرض . وقرأ الجمهور : ( للملائكة ) بجر التاء . وقرأ
أبو جعفر يزيد بن القعقاع ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وسليمان بن مهران بضم التاء ، إتباعا لحركة الجيم ، ونقل أنها لغة
أزد شنوءة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هذا غلط من
أبي جعفر ، وقال
الفارسي : هذا خطأ ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : لأن كسرة التاء كسرة إعراب ، وإنما يجوز هذا الذي ذهب إليه
أبو جعفر ، إذا كان ما قبل الهمزة ساكنا صحيحا نحو : (
وقالت اخرج ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لا يجوز استهلاك الحركة الإعرابية بحركة الإتباع إلا في لغة ضعيفة كقولهم : ( الحمد لله ) . انتهى كلامه . وإذا كان ذلك في لغة ضعيفة ، وقد نقل أنها لغة
أزد شنوءة ، فلا ينبغي أن يخطأ القارئ بها ولا يغلط ، والقارئ بها
أبو جعفر ، أحد القراء المشاهير الذين أخذوا القرآن عرضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس وغيره من الصحابة ، وهو شيخ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع بن أبي نعيم ، أحد القراء السبعة ، وقد علل ضم التاء لشبهها بألف الوصل ، ووجه الشبه أن الهمزة تسقط في الدرج لكونها ليست بأصل ، والتاء في الملائكة تسقط أيضا ; لأنها ليست بأصل . ألا تراهم قالوا : الملائك ؟ وقيل : ضمت لأن العرب تكره الضمة بعد الكسرة لثقلها .
( اسجدوا ) : أمر ، وتقتضي هذه الصيغة طلب إيقاع الفعل في الزمان المطلق استقباله ، ولا تدل بالوضع على الفور ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والقاضي أبي بكر بن الطيب ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي والرازي خلافا للمالكية من أهل
بغداد ،
وأبي حنيفة ومتبعيه . وهذه مسألة يبحث فيها في أصول الفقه ، وهذا الخلاف إنما هو حيث لا تدل قرينة على فور أو تأخير . وأما هنا فالعطف بالفاء يدل على تعقيب القول بالفعل من غير مهلة ، فتكون الملائكة قد فهموا الفور من شيء آخر غير موضوع اللفظ ، فلذلك بادروا بالفعل ولم يتأخروا . والسجود المأمور به والمفعول إيماء وخضوع ، قاله الجمهور ، أو وضع الجبهة على الأرض مع التذلل ، أو إقرارهم له بالفضل واعترافهم له بالمزية ، وهذا يرجع إلى معنى السجود اللغوي ، قال : فإن من أقر لك بالفضل فقد خضع لك . ( لآدم ) : من قال بالسجود الشرعي قال : كان السجود تكرمة وتحية له ، وهو قول الجمهور
علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، كسجود أبوي
يوسف ، لا سجود عبادة ، أو لله تعالى ، ونصبه الله قبلة لسجودهم كالكعبة ، فيكون المعنى إلى
آدم [ ص: 153 ] قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، أو لله تعالى ، فسجد وسجدوا مؤتمين به ، وشرفه بأن جعله إماما يقتدون به . والمعنى في : ( لآدم ) أي مع
آدم . وقال قوم : إنما أمر الله الملائكة بالسجود
لآدم قبل أن يخلقه ، فالسجود امتثال لأمر الله والسجود له ، قاله
مقاتل ، والقرآن يرد هذا القول . وقال قوم : كان سجود الملائكة مرتين . قيل : والإجماع يرد هذا القول ، والظاهر أن السجود هو بالجبهة لقوله : (
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) . وقيل : لا دليل في ذلك ; لأن الجاثي على ركبتيه واقع ، وأن السجود كان
لآدم على سبيل التكرمة ، وقال بعضهم : السجود لله بوضع الجبهة ، وللبشر بالانحناء . انتهى . ويجوز أن يكون السجود في ذلك الوقت للبشر غير محرم ، وقد نقل أن السجود كان في شريعة من قبلنا هو التحية ، ونسخ ذلك في الإسلام . وقيل : كان السجود لغير الله جائزا إلى زمن
يعقوب ، ثم نسخ ، وقال الأكثرون : لم ينسخ إلى عصر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم ، قال في حديث عرض عليه الصحابة أن يسجدوا له : "
لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين " ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373810وأن معاذا سجد للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، فنهاه عن ذلك . قال
ابن عطاء : لما استعظموا تسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم بذلك استغناءه عنهم وعن عبادتهم .
( فسجدوا ) ، ثم محذوف تقديره : فسجدوا له ، أي
لآدم . دل عليه قول : ( اسجدوا لآدم ) ، واللام في
لآدم للتبيين ، وهو أحد المعاني السبعة عشر التي ذكرناها عند شرح ( الحمد لله ) . ( إلا إبليس ) : هو مستثنى من الضمير في فسجدوا ، وهو استثناء من موجب في نحو هذه المسألة فيترجح النصب ، وهو استثناء متصل عند الجمهور :
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، واختاره الشيخ
أبو الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري ، فعلى هذا يكون ملكا ثم أبلس وغضب عليه ولعن فصار شيطانا . وروي في ذلك آثار عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ، وقد اختلف في اسمه فقيل :
عزازيل ، وقيل :
الحارث . وقيل : هو استثناء منقطع ، وأنه أبو الجن ، كما أن
آدم أبو البشر ، ولم يكن قط ملكا ، قاله
ابن زيد والحسن ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=16128وشهر بن حوشب : أنه من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة ، فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب معهم ، واستدل على أنه ليس من الملائكة بقوله تعالى : (
جاعل الملائكة رسلا ) فعم ، فلا يجوز على الملائكة الكفر ولا الفسق ، كما لا يجوز على رسله من البشر ، وبقوله : (
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ، وبقوله : (
كان من الجن ) ، وبأن له نسلا ، بخلاف الملائكة ، والظاهر أنه استثناء متصل لتوجه الأمر على الملائكة ، فلو لم يكن لما توجه الأمر عليه ، فلم يقع عليه ذم لتركه فعل ما لم يؤمر به . وأما (
جاعل الملائكة رسلا ) ، و (
لا يعصون الله ما أمرهم ) ، فهو عام مخصوص ، إذ عصمتهم ليست لذاتهم ، إنما هي بجعل الله لهم ذلك ، وأما إبليس فسلبه الله تعالى الصفات الملكية وألبسه ثياب الصفات الشيطانية . وأما قوله تعالى : (
كان من الجن ) ، فقال
قتادة : هم صنف من الملائكة يقال لهم الجنة . وقال
ابن جبير : سبط من الملائكة خلقوا من نار ، وإبليس منهم ، أو أطلق عليه من الجن لأنه لا يرى ، كما سمى الملائكة جنة ، أو لأنه سمي باسم ما غلب عليه ، أو بما كان من فعله ، أو لأن الملائكة تسمى جنا . قال
الأعشى في ذكر
سليمان ، على نبينا وعليه السلام :
وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر
( أبى ) : امتنع وأنف من السجود
لآدم . ( واستكبر ) : تكبر وتعاظم في نفسه وقدم الإباء على الاستكبار ، وإن كان الاستكبار هو الأول ; لأنه من أفعال القلوب وهو التعاظم ، وينشأ عنه الإباء من السجود اعتبارا بما ظهر عنه أولا ، وهو الامتناع من السجود ، ولأن المأمور به هو السجود ، فلما استثنى إبليس كان محكوما عليه بأنه ترك السجود ، أو بأنه مسكوت عنه غير محكوم عليه على الاختلاف
[ ص: 154 ] الذي نذكره قريبا إن شاء الله . والمقصود : الإخبار عنه بأنه خالف حاله حال الملائكة . فناسب أن يبدأ أولا بتأكيد ما حكم به عليه في الاستثناء ، أو بإنشاء الإخبار عنه بالمخالفة ، والذي يؤدي هذا المعنى هو الإباء من السجود .
والخلاف الذي أشرنا إليه هو أنك إذا قلت : قام القوم إلا زيدا ، فمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أن التخريج من الاسم ، وأن زيدا غير محكوم عليه بقيام ولا غيره ، فيحتمل أن يكون قد قام ، وأن يكون غير قائم . ومذهب
الفراء أن الاستثناء من القول ، والصحيح مذهبنا ، وهو أن الاسم مستثنى من الاسم وأن الفعل مستثنى من الفعل . ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو ، ومفعول أبى محذوف لأنه يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، قال الشاعر :
أبى الضيم والنعمان يحرق نابه عليه فأفضى والسيوف معاقله
والتقدير : أبى السجود ، وأبى من الأفعال الواجبة التي معناها النفي ، ولهذا يفرغ ما بعد إلا كما يفرغ لفعل المنفي ، قال تعالى : (
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) ، ولا يجوز : ضربت إلا زيدا على أن يكون استثناء مفرغا ; لأن إلا لا تدخل في الواجب ، وقال الشاعر :
أبى الله إلا عدله ووفاءه فلا النكر معروف ولا العرف ضائع
وأبى زيد الظلم : أبلغ من : لم يظلم ; لأن نفي الشيء عن الشخص قد يكون لعجز أو غيره ، فإذا قلت : أبى زيد كذا ، دل على نفي ذلك عنه على طريق الامتناع والأنفة منه ; فلذلك جاء قوله تعالى : ( أبى ) ; لأن استثناء إبليس لا يدل إلا على أنه لم يسجد ، فلو اقتصر عليه لجاز أن يكون تخلفه عن السجود لأمر غير الإباء ; فنص على سبب كونه لم يسجد ، وهو الإباء والأنفة .
(
وكان من الكافرين ) قيل : كان بمعنى صار ، وقيل : على بابها أي كان في علم الله ; لأنه لا خلاف أنه كان عالما بالله قبل كفره . فالمعنى : أنه كان في علم الله سيكون من الكافرين . قال
أبو العالية : من العاصين ، وصلة ( أل ) هنا ظاهرها الماضي ، فيكون قد سبق إبليس كفار ، وهم الجن الذين كانوا في الأرض ، أو يكون إبليس أول من كفر مطلقا ، إن لم يصح أنه كان كفار قبله ، وإن صح ، فيفيد أول من كفر بعد إيمانه ، أو يراد الكفر الذي هو التغطية للحق ، وكفر إبليس قيل : جهل ، سلبه الله ما كان وهبه من العلم ، فخالف الأمر ونزع يده من الطاعة ، وقيل : كفر عناد ، ولم يسلب العلم ، بل كان الكبر مانعه من السجود . قال
ابن عطية : والكفر عنادا مع بقاء العلم مستبعد ، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن شاء . انتهى كلامه .
وهذا الذي ذكره جوازه واقع بالفعل . هذا فرعون كان عالما بوحدانية الله وربوبيته دون غيره ، ومع ذلك حمله حب الرئاسة والإعجاب بما أوتي من الملك ، فادعى الألوهية مع علمه .
وأبو جهل كان يتحقق رسالة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ويعلم أن ما جاء به حق ، ومع ذلك أنكر نبوته ، وأقام على الكفر . وكذلك
الأخنس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12467وأمية بن أبي الصلت ، وغيرهما ممن كفر عنادا ، مع علمهم بصدق الرسل ، وقد قسم العلماء الكفار إلى كافر بقلبه ولسانه ،
كالدهرية والمنكرين رسالة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وكافر بقلبه مؤمن بلسانه وهم المنافقون ، ومؤمن بقلبه كافر بلسانه ، كفرعون ومن ذكر معه فلا ينكر الكفر مع وجود العلم . وقد استدل
المعتزلة بهذه الآية على أن المعصية توجب الكفر ، وأجيب بأنه كافر منافق ، وإن كان مؤمنا فإنما كفر ; لاستكباره واعتقاد كونه محقا في ذلك التمرد ، واستدلاله على ذلك بقوله : ( أنا خير منه ) . قال
القشيري : لما كان إبليس مدة في دلال طاعته يختال في مراد موافقته ، سلموا له رتبة التقدم واعتقدوا فيه استحقاق التخصص ، فصار أمره كما قيل :
وكان سراج الوصل أزهر بيننا فهبت به ريح من البين فانطفا
[ ص: 155 ] سئل
أبو الفتوح أحمد أخو
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبي حامد الغزالي عن إبليس فقال : لم يدر ذلك المسكين أن أظافير القضاء إذا حكت أدمت وقسي القدر إذا رمت أصمت ثم أنشد :
وكنا وليلى في صعود من الهوى فلما توافينا ثبت وزلت