(
وأن تجمعوا بين الأختين ) أن تجمعوا في موضع رفع لعطفه على مرفوع ، والمعنى : وأن تجمعوا بين الأختين في النكاح ، لأن سياق الآية إنما هو في النكاح ، وإن كان الجمع بين الأختين أعم من أن يكون في زوجين ، أو بملك اليمين . فأما إذا كان على سبيل التزويج ، فأجمعت الأمة على تحريم العقد على ذلك ، سواء وقع العقدان معا ، أم مرتبا . واختلفوا في
تزويج المرأة في عدة أختها : فروي عن
زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، و
عبيدة ، و
عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، و
مجاهد في آخرين من التابعين : أن ذلك لا يجوز فبعضهم أطلق العدة ، وبعضهم قال : إذا كانت من الثلاث ، وهو قول :
أبي حنيفة ،
وأبي يوسف ، و
محمد ، و
زفر ، و
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، و
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح . وروي عن
عروة ، و
القاسم ، و
خلاس : أنه يجوز له ذلك إذا كانت من طلاق بائن ، وهو قول :
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . واختلف عن
سعيد والحسن وعطاء . والجواز ظاهر الآية ، إذا لم يكن الطلاق رجعيا . وأما الجمع بينهما بملك اليمين فلا خلاف في شرائهما ودخولهما في ملكه ، وأما الجمع بينهما في الوطء : فذهب
عمر ، و
علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، و
الزبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، و
عمار وزيد : إلى أنه لا يجوز ذلك . وهل ذلك على سبيل الكراهة أو التحريم ؟ فذكر
ابن المنذر عن جمهور أهل العلم : الكراهة . وذكر عن
إسحاق : التحريم وكان
المستنصر بالله أبو عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا بن أبي محمد بن أبي حفص ملك أفريقية قد سأل أحد شيوخنا الذين لقيناهم
بتونس ، وهو الشيخ العابد المنقطع
أبو العباس أحمد بن علي بن خالص الإشبيلي : ألا ترى عن الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء ؟ فأجابه بالمنع ، وكان غيره قد أفتاه بالجواز . واستدل شيخنا على منع ذلك بظاهر قوله :
وأن تجمعوا بين الأختين . وروي عن
عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : إباحة ذلك . وإذا اندرج أيضا الجمع بينهما بأن يجمع بينهما في الوطء بتزوج وملك يمين ، فيكون قد تزوج واحدة ، وملك أختها . وقد أكثر المفسرون من الفروع هنا ، وموضع ذلك كتب الفقه .
(
إلا ما قد سلف ) استثناء منقطع يتعلق بالأخير ، وهو : أن تجمعوا بين الأختين . والمعنى : لكن ما سلف من ذلك ، ووقع . وأزالت شريعة الإسلام حكمه ، فإن الله يغفره والإسلام يجبه ويدل على عدم المؤاخذة به قوله : (
إن الله كان غفورا رحيما ) وقد يكون معنى قوله :
إلا ما قد سلف ، فلا ينفسخ به العقد على أختين ، بل يخير بين من شاء منهما ، فيطلق الواحدة ، ويمسك الأخرى كما جاء في حديث
فيروز الديلمي : أنه أسلم وتحته أختان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
طلق إحداهما وأمسك الأخرى ) وظاهر حديث
فيروز : التخيير من غير نظر إلى وقت العقد ، وهو
[ ص: 214 ] مذهب
مالك ، و
محمد ، و
الليث ، وذهب
أبو حنيفة ،
وأبو يوسف ، و
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري إلى أنه يختار من سبق نكاحها ، فإن كانا في عقد واحد فرق بينه وبينهما . وقال
عطاء ،
والسدي : هذا الاستثناء يدل على أن ما تقدم قبل ورود النهي كان مباحا ، هذا
يعقوب عليه السلام جمع بين
أم يوسف وأختها . ويضعف هذا لبعد صحة إسناد قصة
يعقوب في ذلك ، وكون هذا التحريم متعلقا بشرعنا نحن ، لا يظهر منه ذكر عفو عنه فيما فعل غيرنا .