يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا [ ص: 230 ] الجار : القريب المسكن منك ، وألفه منقلبة عن واو لقولهم : جاورت ، ويجمع على جيران وجيرة . والجنب : البعيد . والجنابة البعد ، قال :
فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب
وهو من الاجتناب ، وهو أن يترك الرجل جانبا . وقال تعالى : ( واجنبني ) أي بعدني ، وهو وصف على فعل كناقة سرح .
المختال : المتكبر ، وهو اسم فاعل من اختال ، وألفه منقلبة عن ياء ؛ لقولهم : الخيلاء والمخيلة . ويقال : خال الرجل يخول خولا إذا تكبر وأعجب بنفسه ، فتكون هذه مادة أخرى ، لأن تلك مركبة من خيل ( خ ي ل ) ، وهذه مادة من ( خ و ل ) . الفخور : فعول من فخر ، والفخر عد المناقب على سبيل الشغوف والتطاول .
القرين : فعيل بمعنى مفاعل ، من قارنه إذا لازمه وخالطه ، ومنه سميت الزوجة قرينة . ومنه قيل لما يلزمن الإبل والبقر : قرينان ، وللحبل الذي يشدان به قرن ، قال الشاعر :
وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
وقال :
كمدخل رأسه لم يدنه أحد من القرينين حتى لزه القرن
(
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) تقدم شرح نظير هذه الجملة في قوله : (
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا ) ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما بين كيفية التصرف في النفوس بالنكاح ، بين كيفية التصرف في الأموال الموصلة إلى النكاح ، وإلى ملك اليمين ، وأن المهور والأثمان المبذولة في ذلك لا تكون مما ملكت بالباطل ، والباطل هو كل طريق لم تبحه الشريعة ، فيدخل فيه : السرقة ، والخيانة ، والغصب ، والقمار ، وعقود الربا ، وأثمان البياعات الفاسدة ، فيدخل فيه بيع العربان ، وهو أن يأخذ منك السلعة ويكري الدابة ويعطي درهما مثلا عربانا ، فإن اشترى ، أو ركب ، فالدرهم من ثمن السلعة أو الكراء ، وإلا فهو للبائع . فهذا لا يصح ولا يجوز عند جماهير الفقهاء ، لأنه من باب أكل المال بالباطل . وأجاز قوم ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، و
مجاهد ، و
نافع بن عبيد ، و
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : بيع العربان على ما وصفناه ، والحجج في كتب الفقه .
وقد اختلف السلف في تفسير قوله : بالباطل . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن : هو أن يأكله بغير عوض . وعلى هذا التفسير قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هي منسوخة ، إذ يجوز أكل المال بغير عوض إذا كان هبة أو صدقة أو تمليكا أو وارثا ، أو نحو ذلك مما أباحت الشريعة أخذه بغير عوض . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هو أن يأكل بالربا والقمار والبخس والظلم ، وغير ذلك مما لم يبح الله
[ ص: 231 ] تعالى أكل المال به . وعلى هذا تكون الآية محكمة وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود والجمهور . وقال بعضهم : الآية مجملة ، لأن معنى قوله : بالباطل ، بطريق غير مشروع . ولما لم تكن هذه الطريق المشروعة مذكورة هنا على التفصيل ، صارت الآية مجملة . وإضافة الأموال إلى المخاطبين معناه : أموال بعضكم . كما قال تعالى : (
فمن ما ملكت أيمانكم ) وقوله : (
ولا تقتلوا أنفسكم ) وقيل : يشمل قوله ( أموالكم ) مال الغير ومال نفسه . فنهى أن يأكل مال غيره إلا بطريق مشروع ، ونهى أن يأكل مال نفسه بالباطل ، وهو : إنفاقه في معاصي الله تعالى . وعبر هنا عن أخذ المال بالأكل ، لأن الأكل من أغلب مقاصده وألزمها .