(
وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ) الخلاف في الخوف هنا مثله في :
واللاتي تخافون . ولما كان حال المرأة مع زوجها إما الطواعية ، وإما النشوز . وكان النشوز إما تعقبه الطواعية ، وإما النشوز المستمر ، فإن أعقبته الطواعية فتعود كالطائعة أولا . وإن استمر النشوز واشتد ، بعث الحكمان .
والشقاق : المشاقة . والأصل شقاقا بينهما ، فاتسع وأضيف . والمعنى على الظرف كما تقول : يعجبني سير الليلة المقمرة . أو يكون استعمل اسما وزال معنى الظرف ، أو أجرى البين هنا مجرى حالهما وعشرتهما وصحبتهما .
والخطاب في : (
وإن خفتم ) ، وفي ( فابعثوا ) - للحكام ، ومن يتولى الفصل بين الناس . وقيل : للأولياء لأنهم الذين يلون أمر الناس في العقود والفسوخ ، ولهم نصب الحكمين . وقيل : خطاب للمؤمنين . وأبعد من ذهب إلى أنه خطاب للأزواج ، إذ لو كان خطابا للأزواج لقال : وإن خافا شقاق بينهما فليبعثا ، أو لقال : فإن خفتم شقاق بينكم ، لكنه انتقال من خطاب الأزواج إلى خطاب من له الحكم والفصل بين الناس ، وإلى أنه خطاب للأزواج ذهب
الحسن والسدي . والضمير في بينهما عائد على الزوجين ، ولم يجرد ذكرهما ، لكن جرى ما يدل عليهما من ذكر الرجال والنساء .
والحكم : هو من يصلح للحكومة بين الناس والإصلاح . ولم تتعرض الآية لماذا يحكمان فيه ، وإنما كان من الأهل ، لأنه أعرف بباطن الحال ، وتسكن إليه النفس ، ويطلع كل منهما حكمه على ما في ضميره من حب وبغض وإرادة صحبة وفرقة . قال جماعة من العلماء : لا بد أن يكونا عارفين بأحوال الزوجين ، عدلين ، حسني السياسة والنظر في حصول المصلحة ، عالمين بحكم الله في الواقعة التي حكما فيها . فإن لم يكن من أهلهما من يصلح لذلك أرسل من غيرهما عدلين عالمين ، وذلك إذا أشكل أمرهما ورغبا فيمن يفصل بينهما . وقال بعض العلماء : إنما هذا الشرط في الحكمين اللذين يبعثهما الحاكم . وأما الحكمان اللذان يبعثهما الزوجان فلا يشترط فيهما إلا أن يكونا بالغين عاقلين مسلمين ، من أهل العفاف والستر ، يغلب على الظن نصحهما . واختلفوا في المقدار الذي ينظر فيه الحكمان ، فذهب الجمهور إلى أنهما ينظران في كل شيء ، ويحملان على الظالم ، ويمضيان ما رأيا من بقاء أو فراق ، وبه قال :
مالك ، و
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، و
إسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . وهو مروي عن :
علي ، و
عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، و
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، و
النخعي ، و
مجاهد ،
وأبي سلمة ، و
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس . قال
مالك : إذا رأيا التفريق فرقا ، سواء أوافق مذهب قاضي البلد أو خالفه ، وكلاه أم لا ، والفراق في ذلك طلاق بائن ، وقالت طائفة : لا ينظر الحكمان إلا فيما وكلهما به الزوجان وصرحا بتقديمهما عليه ، فالحكمان وكيلان : أحدهما للزوج ، والآخر للزوجة ، ولا تقع الفرقة إلا برضا الزوجين ، وهو مذهب
أبي حنيفة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القولان . وقال
الحسن وغيره : ينظر الحكمان في الإصلاح وفي الأخذ والإعطاء ، إلا في الفرقة فإنها ليست إليهما . وأما ما يقول الحكمان ، فقال جماعة : يقول حكم الزوج له : أخبرني ما في خاطرك ، فإن قال : لا حاجة لي فيها ، خذ لي ما استطعت وفرق بيننا ، علم أن النشوز من قبله . وإن قال : أهواها ورضها من مالي بما شئت ولا تفرق بيننا ، علم أنه ليس بناشز ويقول الحكم من جهتها لها كذلك ، فإذا ظهر لهما أن النشوز من جهته وعظاه ، وزجراه ، ونهياه .