(
والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) تقدم تفسير مثل هذه الآية في قوله : (
كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) وهنا : ولا باليوم الآخر ، وهناك : واليوم الآخر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج وأبو سليمان الدمشقي والجمهور : هم المنافقون نزلت فيهم ، وإنفاقهم هو إعطاؤهم الزكاة ، وإخراجهم المال في السفر للغزو رئاء ودفعا عن أنفسهم ، لا إيمانا ولا حبا في الدين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
ومقاتل ، و
مجاهد : نزلت في
اليهود . وضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري من حيث إنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر . ووجه
ابن عطية [ ص: 248 ] هذا القول بأنهم لم يؤمنوا على ما ينبغي ؛ جعل إيمانهم كلا إيمان من حيث لا ينفعهم . وقيل : هم مشركو
مكة ، لأنهم كانوا ينكرون البعث . وإنفاق
اليهود هو ما أعانوا به
قريشا في غزوة أحد وغزوة الخندق ، وإنفاق مشركي
مكة هو ما كان في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وطلبهم الانتصار . وفي إعراب
والذين ينفقون وجوه ، أحدها : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، ويقدر : معذبون ، أو قرينهم الشيطان ، ويكون العطف من عطف الجمل . والثاني : أن يكون معطوفا على الكافرين ، فيكون مجرورا ، قاله :
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري . والثالث : أن يكون معطوفا على الذين يبخلون ، فيكون إعرابه كإعراب الذين يبخلون . والعطف في هذين الوجهين من عطف المفردات . و رئاء مصدر راء ، أو انتصابه على أنه مفعول من أجله ، وفيه شروطه فينبغي أن يعدل عنه . وقيل : هو مصدر في موضع الحال قاله :
ابن عطية ، ولم يذكر غيره . وظاهر قوله : ولا يؤمنون أنه عطف على صلة الذين ، فيكون صلة . ولا يضر الفصل بين أبعاض الصلة بمعمول للصلة ، إذ انتصاب رئاء على وجهيه بـ ينفقون . وجوزوا أن يكون : ولا يؤمنون في موضع الحال ، فتكون الواو واو الحال أي : غير مؤمنين ، والعامل فيها ينفقون أيضا . وحكى
المهدوي : أنه يجوز انتصاب رئاء على الحال من نفس الموصول لا من الضمير في ينفقون ، فعلى هذا لا يجوز أن يكون : ولا يؤمنون معطوفا على الصلة ، ولا حالا من ضمير ينفقون ، لما يلزم من الفصل بين أبعاض الصلة ، أو بين معمول الصلة بأجنبي وهو رئاء المنصوب على الحال من نفس الموصول ، بل يكون قوله : ولا يؤمنون مستأنف . وهذا وجه متكلف . وتعلق رئاء بقوله : ينفقون واضح ، إما على المفعول له ، أو الحال ، فلا ينبغي أن يعدل عنه . وتكرار لا وحرف الجر في قوله : ولا باليوم الآخر مفيد لانتفاء كل واحد من الإيمان بالله ، ومن الإيمان باليوم الآخر . لأنك إذا قلت : لا أضرب زيدا وعمرا ، احتمل أن لا تجمع بين ضربيهما . ولذلك يجوز أن تقول بعد ذلك : بل أحدهما . واحتمل نفي الضرب عن كل واحد منهما على سبيل الجمع ، وعلى سبيل الإفراد . فإذا قلت : لا أضرب زيدا ولا عمرا ، تعين هذا الاحتمال الثاني الذي كان دون تكرار
ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا لما ذكر تعالى من اتصف بالبخل والأمر به وكتمان فضل الله تعالى ، والإنفاق رئاء ، وانتفاء إيمانه بالله وباليوم الآخر ، ذكر أن هذه من نتائج مقارنة الشيطان ومخالطته وملازمته للمتصف بذلك ، لأنها شر محض ، إذ جمعت بين سوء الاعتقاد الصادر عنه الإنفاق رئاء ، وسائر تلك الأوصاف المذمومة . ولذلك قدم تلك الأوصاف وذكر ما صدرت عنه وهو انتفاء الإيمان بالموجد ، وبدار الجزاء . ثم ذكر أن ذلك من مقارنة الشيطان . والقرين هنا فعيل بمعنى مفاعل ، كالجليس والخليط أي : المجالس والمخالط . والشيطان هنا جنس لا يراد به إبليس وحده وهو كقوله :
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وله متعلق بـ قرينا أي : قرينا له . والفاء جواب الشرط ، وساء هنا هي التي بمعنى بئس للمبالغة في الذم ، وفاعلها على مذهب
البصريين ضمير عام ، وقرينا تمييز لذلك الضمير . والمخصوص بالذم محذوف وهو العائد على الشيطان الذي هو قرين ، ولا يجوز أن يكون ساء هنا هي المتعدية ومفعولها محذوف وقرينا حال ، لأنها إذ ذاك تكون فعلا متصرفا فلا تدخله الفاء ، أو تدخله مصحوبة بقد . وقد جوزوا انتصاب قرينا على الحال ، أو على القطع ، وهو ضعيف . وبولغ في ذم هذا القرين لحمله على تلك الأوصاف الذميمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره : ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار . انتهى . فتكون المقارنة إذ ذاك في الآخرة يقرن به في النار فيتلاعنان ويتباغضان كما قال : مقرنين في الأصفاد
[ ص: 249 ] و ( إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين ) . وقال الجمهور : هذه المقارنة هي في الدنيا كقوله : (
وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ) و (
نقيض له شيطانا فهو له قرين ) و (
قال قرينه ربنا ما أطغيته ) ، قال
ابن عطية : وقرن
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري هذه الآية بقوله تعالى :
بئس للظالمين بدلا وذلك مردود ، لأن بدلا حال ، وفي هذا نظر . والذي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري صحيح ، وبدلا تمييز لا حال ، وهو مفسر للضمير المستكن في بئس على مذهب
البصريين ، والمخصوص بالذم محذوف تقديره : هم أي الشيطان وذريته . وإنما ذهب إلى إعراب المنصوب بعد نعم وبئس حالا
الكوفيون على اختلاف بينهم مقرر في علم النحو .