وظاهر الكلام : أن
التيمم مسح الوجه واليدين من الصعيد الطيب ، فمتى حصلت هذه الكيفية حصل التيمم . والعطف بالواو لا يقتضي ترتيبا بين الوجه واليدين
[ ص: 260 ] والباء في (
بوجوهكم ) مما يعدى بها الفعل تارة ، وتارة بنفسه . حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : مسحت رأسه وبرأسه ، وخشنت صدره وبصدره على معنى واحد . وظاهر مسح الوجه التعميم ، فيمسحه جميعه كما يغسله بالماء جميعه . وأجاز بعضهم ألا يتتبع الغضون . وأما اليدان فظاهر مسحهما تعميم مدلولهما ، وهي تنطلق لغة إلى المناكب ، وبه قال ابن شهاب ، قال : يمسح إلى الآباط ، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وفي سنن
أبي داود : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374224أنه عليه السلام مسح إلى أنصاف ذراعيه ) قال
ابن عطية : لم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت . انتهى . وذهب
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأصحابهما ، و
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ،
وابن أبي سلمة ، و
الليث : أنه يمسح إلى بلوغ المرفقين فرضا واجبا ، وهو قول جابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، و
الحسن ، و
إبراهيم . وذهب طائفة إلى أنه يبلغ به إلى الكوعين وهما الرسغان ، وهو قول
علي ، وعطاء ، و
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، و
مكحول ، و
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، و
أحمد ، و
إسحاق ، و
داود بن علي ، و
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في القديم ، وروي عن
مالك . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي إلى أنه يمسح كفيه فقط ، وبه قال بعض فقهاء الحديث ، وهو الذي ينبغي أن يذهب إليه لصحته في الحديث . ففي
مسلم من حديث عمار (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374225إنما كان يكفيك أن تضرب بيدك الأرض ثم تنفخ وتمسح بها وجهك وكفيك ) وعنه في هذا الحديث : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374226وضرب بيده الأرض فنفض يديه ، فمسح وجهه وكفيه ) ، وللبخاري : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374227أدناهما من فيه ، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ) وفي
مسلم أيضا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374228أما يكفيك أن تقول بيدك هكذا ، ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ) وعند
أبي داود (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374229فضرب بيده الأرض فقبضها ، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ، ثم مسح وجهه ) . فهذه الأحاديث الصحيحة مبينة ما تطرق إليه الاحتمال في الآية من محل المسح وكيفيته . وظاهر هذه الأحاديث الصحيحة وظاهر الآية يدل على الاجتزاء بضربة واحدة للوجه واليدين ، وهو قول
عطاء nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي في رواية ، و
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي في الأشهر عنه ، و
أحمد وإسحاق وداود nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري . وذهب
مالك في المدونة ، و
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي في رواية ،
وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهم ، و
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، و
الليث ،
وابن أبي سلمة : إلى وجوب ضربتين : ضربة للوجه ، وضربة لليدين ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى والحسن إلى أنه ضربتان ، ويمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه ، ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم غيرهما . وأحكام التيمم ومسائله كثيرة مذكورة في كتب الفقه ، ولم يذكر في هذه السورة منه ، وذكر ذلك في المائدة ، فدلت على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في نقل شيء من الممسوح به إلى الوجه والكفين ، وحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : فما تصنع بقوله في سورة المائدة :
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه أي بعضه وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه ؟ قلت : قالوا : إنها - أي : من - لابتداء الغاية . فإن قلت : قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف ، ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ، ومن الماء ، ومن التراب - إلا معنى التبعيض ؛ قلت : هو كما تقول ، والإذعان للحق أحق من المراء .
إن الله كان عفوا غفورا كناية عن الترخيص والتيسير ، لأن من كانت عادته أن يعفو عن الخطائين ويغفر لهم ، آثر أن يكون ميسرا غير معسر انتهى كلامه . والعجب منه إذ أذعن إلى الحق ، وليس من عادته ، بل عادته أن يحرف الكلام عن ظاهره ويحمله على غير محمله لأجل ما تقرر من مذهبه . وأيضا فكلامه أخيرا حيث أطلق أن الله يعفو عن الخطائين ويغفر لهم ، العجب له إذ لم يقيد ذلك بالتوبة على مذهبه وعادته فيما هو يشبه هذا الكلام .