(
فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة )
[ ص: 508 ] الخطاب للرسول ، صلى الله عليه وسلم ، والذين في قلوبهم مرض
عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين أو من مؤمني
الخزرج متابعة جهالة وعصبية ، فهذا الصنف له حصة من مرض القلب قاله
ابن عطية . ومعنى
يسارعون فيهم أي : في موالاتهم ويرغبون فيها . وتقدم الكلام في المرض في أول البقرة .
وقرأ
إبراهيم بن وثاب : فيرى بالياء من تحت ، والفاعل ضمير يعود على الله أو الرأي . قال
ابن عطية : ويحتمل أن يكون الذين فاعل ترى ; والمعنى : أن يسارعوا ، فحذفت أن إيجازا . انتهى . وهذا ضعيف لأن حذف إن من نحو هذا لا ينقاس . وقرأ
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : يسرعون بغير ألف من أسرع ، وفترى إن كانت من رؤية العين كان يسارعون حالا ، أو من رؤية القلب ففي موضع المفعول الثاني ، يقولون : نخشى أن تصيبنا دائرة ، هذا محفوظ من قول
عبد الله بن أبي ، وقاله معه منافقون كثيرون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : معناه نخشى أن لا يتم أمر
محمد فيدور الأمر علينا . وقيل : الدائرة من جدب وقحط . ولا يميروننا ولا يقرضوننا . وقيل : دائرة تحوج إلى
يهود إلى معونتهم .
(
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ) هذا بشارة للرسول والمؤمنين بوعده تعالى بالفتح والنصرة . قال
قتادة : عنى به القضاء في هذه النوازل ، والفتاح : القاضي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : يعني به فتح مكة . قال
ابن عطية : وظاهر الفتح في هذه الآية ظهور رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعلو كلمته فيستغنى عن
اليهود . وقيل : فتح بلاد المشركين . وقيل : فتح قرى
اليهود ، يريدون
قريظة والنضير وفدك وما يجري مجراهما . وقيل : الفتح الفرج ، قاله
ابن قتيبة . وقيل في قوله تعالى : (
أو أمر من عنده ) هو إجلاء
بني النضير وأخذ أموالهم ، لم يكن للناس فيه فعل بل طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب ، وقتل
قريظة وسبي ذراريهم ، قاله :
ابن السائب ومقاتل . وقيل : إذلالهم حتى يعطوا الجزية . وقيل : الخصب والرخا ، قاله
ابن قتيبة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إظهار أمر المنافقين وتربصهم الدوائر . وقال
ابن عطية : ويظهر أن هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو مما ترتب على سعي النبي وأصحابه ونسب جدهم وعملهم ، فوعد الله تعالى إما بفتح يقتضي تلك الأعمال ، وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع ، هو أيضا فتح لا يقع للبشر فيه تسبب . انتهى .
(
فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) أي : يصيرون نادمين على ما حدثتهم أنفسهم أن أمر النبي لا يتم ، ولا تكون الدولة لهم إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده . وقيل : موالاتهم . وقرأ
ابن الزبير : فتصبح الفساق ; جعل الفساق مكان الضمير . قال
ابن عطية : وخص الإصباح بالذكر لأن الإنسان في ليله مفكر ، فعند الصباح يرى الحالة التي اقتضاها فكره . انتهى . وتقدم لنا نحو من هذا الكلام ، وذكرنا أن أصبح تأتي بمعنى صار من غير اعتبار كينونة في الصباح ، واتفق
الحوفي وأبو البقاء على أن قوله :
فيصبحوا [ ص: 509 ] معطوف على قوله : ( أن يأتي ) وهو الظاهر ، ومجوز ذلك هو الفاء ، لأن فيها معنى التسبب ، فصار نظير : الذي يطير فيغضب زيد الذباب ، فلو كان العطف بغير الفاء لم يصح ، لأنه كان يكون معطوفا على أن يأتي خبر لعسى ، وهو خبر عن الله تعالى ، والمعطوف على الخبر خبر ، فيلزم أن يكون فيه رابط إن كان مما يحتاج إلى الرابط ، ولا رابط هنا ، فلا يجوز العطف . لكن الفاء انفردت من بين سائر حروف العطف بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة كما مثله ، أو صفة نحو مررت برجل يبكي فيضحك عمرو ، أو خبر نحو زيد يقوم فيقعد بشر . وجوز أن لا يكون معطوفا على أن يأتي ، ولكنه منصوب بإضمار أن بعد الفاء في جواب التمني ، إذ عسى تمن وترج في حق البشر ، وهذا فيه نظر .