(
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )
وابن كعب والضحاك الحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج وغيرهم : نزلت خطابا
[ ص: 511 ] للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة ; ومن يرتد جملة شرطية مستقلة ، وهي إخبار عن الغيب .
وتعرض المفسرون هنا لمن ارتد في قصة طويلة نختصرها فنقول : ارتد في زمان الرسول ، صلى الله عليه وسلم ،
مذحج ورئيسهم
عبهلة بن كعب ذو الخمار ، وهو
الأسود العنسي قتله
فيروز على فراشه ، وأخبر الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، بقتله ، وسمى قاتله ليلة قتل . ومات رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من الغد ، وأتى خبر قتله في آخر ربيع الأول
وبنو حنيفة رئيسهم
مسيلمة قتله
وحشي ،
وبنو أسد رئيسهم
nindex.php?page=showalam&ids=2265طليحة بن خويلد هزمه
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ، وأفلت ثم أسلم وحسن إسلامه . هذه ثلاث فرق ارتدت في حياة الرسول ، وتنبأ رؤساؤهم . وارتد في خلافة
أبي بكر ، رضي الله عنه ، سبع فرق .
فزارة : قوم
عيينة بن حصن ،
وغطفان : قوم
قرة بن سلمة القشيري ،
وسليم : قوم
الفجاءة بن عبد ياليل ،
ويربوع : قوم
مالك بن نويرة ، وبعض
تميم : قوم
سجاح بنت المنذر وقد تنبأت وتزوجها
مسيلمة وقال : الشاعر :
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11880أبو العلاء المعري :
أمت سجاح ووالاها مسيلمة كذابة في بني الدنيا وكذاب
وكندة : قوم
الأشعث ،
وبكر بن وائل بالبحرين : قوم
الحطم بن يزيد . وكفى الله أمرهم على يدي
أبي بكر ، رضي الله عنه ; وفرقة في عهد
عمر :
غسان : قوم
nindex.php?page=showalam&ids=15620جبلة بن الأيهم نصرته اللطمة وسيرته إلى بلد
الروم بعد إسلامه .
وفي القوم الذين يأتي الله بهم :
أبو بكر وأصحابه ، أو
أبو بكر وعمر وأصحابهما ، أو قوم
أبي موسى ، أو أهل
اليمن ألفان من البحر وخمسة آلاف من
كندة وبجيلة ، وثلاثة آلاف من أخلاط الناس جاهدوا أيام القادسية أيام
عمر . أو
الأنصار ، أو هم
المهاجرون ، أو أحياء من
اليمن من
كندة وبجيلة وأشجع لم يكونوا وقت النزول قاتل بهم
أبو بكر في الردة ، أو القربى ، أو
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب قاتل
الخوارج ; أقوال تسعة . وفي المستدرك
nindex.php?page=showalam&ids=14070لأبي عبد الله الحاكم بإسناد : أنه لما نزلت أشار رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري فقال قوم : هذا ، وهذا أصح الأقوال ، وكان لهم بلاء في الإسلام زمان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعامة فتوح
عمر على أيديهم .
وقرأ
نافع وابن عامر : من يرتدد ; بدالين مفكوكا ، وهي لغة
الحجاز . والباقون بواحدة مشددة وهي لغة
تميم . والعائد على اسم الشرط من جملة الجزاء محذوف لفهم المعنى ، تقديره : فسوف يأتي الله بقوم غيرهم ، أو مكانهم . ويحبونه معطوف على قوله : يحبهم ، فهو في موضع جر . وقال
أبو البقاء : ويجوز أن يكون حالا من الضمير المنصوب ، تقديره : وهم يحبونه . انتهى . وهذا ضعيف لا يسوغ مثله في القرآن . ووصف تعالى هؤلاء القوم بأنه يحبهم ويحبونه ، محبة الله لهم هي توفيقهم للإيمان كما قال تعالى : (
ولكن الله حبب إليكم الإيمان ) وإثابته على ذلك وعلى سائر الطاعات ، وتعظيمه إياهم ، وثناؤه عليهم ، ومحبتهم له وطاعته واجتناب نواهيه ، وامتثال مأموراته . وقدم محبته على محبتهم إذ هي أشرف وأسبق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وأما ما يعتقده أجهل الناس وأعداهم للعلم وأهله ، وأمقتهم للشرع ، وأسوأهم طريقة ، وإن كانت طريقته عند أمثاله من السفهاء والجهلة شيئا ، وهم : الفرقة المنفعلة والمتفعلة من الصوف وما يدينون به من المحبة والعشق والتغني على كراسيهم ، خربها الله ، وفي مراقصهم ، عطلها الله ، بأبيات الغزل المقولة في المردان الذين يسمونهم شهداء الله وصعقاتهم التي تشبه صعقة
موسى عند دك
الطور ، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . ومن كلماته كما أنه بذاته يحبهم ، كذلك يحبون ذاته ، فإن الهاء راجعة إلى الذات دون النعوت والصفات . ومنها الحب ، شرطه أن تلحقه سكرات المحبة ، فإذا لم يكن ذلك لم يكن فيه حقيقة . انتهى كلام
[ ص: 512 ] nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، رحمه الله تعالى . وقال بعض المعاصرين : قد عظم أمر هؤلاء المنفعلة عند العامة وكثر القول فيهم بالحلول والوحدة ، وسر الحروف ، وتفسير القرآن على طريق
القرامطة الكفار الباطنية ، وادعاء أعظم الخوارق لأفسق الفساق ، وبغضهم في العلم وأهله ، حتى إن طائفة من المحدثين قصدوا قراءة الحديث على شيخ في خانقاتهم يروي الحديث فبنفس ما قرءوا شيئا من حديث الرسول خرج شيخ الشيوخ الذين هم يقتدون به ، وقطع قراءة الحديث ، وأخرج الشيخ المسمع والمحدثين وقال : روحوا إلى المدارس شوشتم علينا . ولا يمكنون أحدا من قراءة القرآن جهرا ، ولا من الدرس للعلم . وقد صح أن بعضهم ممن يتكلم بالدهر على طريقتهم ، سمع ناسا في جامع يقرءون القرآن فصعد كرسيه الذي يهدر عليه فقال : يا أصحابنا شوشوا علينا ، وقام نافضا ثوبه ، فقام أصحابه وهو يدلهم لقراء القرآن ، فضربوهم أشد الضرب ، وسل عليهم السيف من أتباع ذلك الهادر وهو لا ينهاهم عن ذلك . وقد علم أصحابه كلاما افتعلوه على بعض الصالحين حفظهم إياه يسردونه حفظا كالسورة من القرآن ، وهو مع ذلك لا يعلمهم فرائض الوضوء ، ولا سننه ، فضلا عن غيرها من تكاليف الإسلام . والعجب أن كلا من هؤلاء الرءوس يحدث كلاما جديدا يعلمه أصحابه حتى يصير لهم شعارا ، ويترك ما صح عن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، من الأدعية المأثورة المأمور بها وفي كتاب الله تعالى على غثاثة كلامهم ، وعاميته ، وعدم فصاحته ، وقلة محصوله ، وهم مستمسكون به كأنه جاءهم به وحي من الله . ولن ترى أطوع من العوام لهؤلاء يبنون لهم الخوانق والربط ، ويرصدون لهم الأوقاف ، وهم أبغض الناس في العلم والعلماء ، وأحبهم لهذه الطوائف . والجاهلون لأهل العلم أعداء .
(
أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) هو جمع ذليل لا جمع ذلول الذي هو نقيض الضعف ، لأن ذلولا لا يجمع على أذلة بل ذلل ، وعدي أذلة بعلى وإن كان الأصل باللام ، لأنه ضمنه معنى الحنو والعطف كأنه قال : عاطفين على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع . قيل : أو لأنه على حذف مضاف ، التقدير : على فضلهم على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع . قيل : أو لأنه على حذف مضاف ، التقدير : على فضلهم على المؤمنين ، والمعنى أنهم يذلون ويخضعون لمن فضلوا عليه مع شرفهم وعلو مكانهم ، وهو نظير قوله : (
أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وجاءت هذه الصفة بالاسم الذي فيه المبالغة ، لأن أذلة جمع ذليل وأعزة جمع عزيز ، وهما صفتا مبالغة ، وجاءت الصفة قبل هذا بالفعل في قوله : (
يحبهم ويحبونه ) لأن الاسم يدل على الثبوت ، فلما كانت صفة مبالغة ، وكانت لا تتجدد بل هي كالغريزة ، جاء الوصف بالاسم ; ولما كانت قبل تتجدد ، لأنها عبارة عن أفعال الطاعة والثواب المترتب عليها ، جاء الوصف بالفعل الذي يقتضي التجدد . ولما كان الوصف الذي يتعلق بالمؤمن أوكد ، ولموصوفه الذي قدم على الوصف المتعلق بالكافر ، ولشرف المؤمن أيضا ، ولما كان الوصف الذي بين المؤمن وربه أشرف من الوصف الذي بين المؤمن والمؤمن ، قدم قوله يحبهم ويحبونه على قوله : أذلة على المؤمنين .
وفي هذه الآية دليل على بطلان قول من ذهب إلى أن الوصف إذا كان بالاسم وبالفعل لا يتقدم الوصف بالفعل على الوصف بالاسم إلا في ضرورة الشعر نحو قوله :
وفـرع يغشـي المتـن أسـود فـاحـم
إذ جاء ما ادعى أنه يكون في الضرورة في هذه الآية ، فقدم يحبهم ويحبونه ، وهو فعل ، على قوله : أذلة ; وهو اسم . وكذلك قوله تعالى : (
وهذا كتاب أنزلناه مبارك ) وقرئ شاذا أذلة ، وهو اسم وكذا أعزة نصبا على الحال من النكرة إذا قربت من المعرفة بوصفها . وقرأ
عبد الله : غلظاء على الكافرين مكان أعزة .
[ ص: 513 ] (
يجاهدون في سبيل الله ) أي : في نصرة دينه . وظاهر هذه الجملة أنها صفة ، ويجوز أن تكون استئناف أخبار . وجوز
أبو البقاء أن تكون في موضع نصب حالا من الضمير في أعزة .
(
ولا يخافون لومة لائم ) أي : هم صلاب في دينه ، لا يبالون بمن لام فيه . فمتى شرعوا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، أمضوه لا يمنعهم اعتراض معترض ، ولا قول قائل ; هذان الوصفان أعني : الجهاد والصلابة في الدين ، هما نتيجة الأوصاف السابقة ; لأن من أحب الله لا يخشى إلا إياه ، ومن كان عزيزا على الكافر جاهدا في إخماده واستئصاله ; وناسب تقديم الجهاد على انتفاء الخوف من اللائمين لمجاورته
أعزة على الكافرين ، ولأن الخوف أعظم من الجهاد ، فكان ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى . ويحتمل أن تكون الواو في : ولا يخافون واو الحال ; أي : يجاهدون ، وحالهم في المجاهدة غير حال المنافقين ، فإنهم كانوا موالين
لليهود ، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم
اليهود وتخاذلوا وخذلوا حتى لا يلحقهم لوم من جهتهم . وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله ، لا يخافون لومة لائم . ولومة للمرة الواحدة ; وهي نكرة في سياق النفي . فتعم ; أي : لا يخافون شيئا قط من اللوم .
(
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) الظاهر أن ذلك إشارة إلى ما تقدم من الأوصاف التي تحلى بها المؤمن . ذكر أن ذلك هو فضل من الله يؤتيه من أراد ، ليس ذلك بسابقة ممن أعطاه إياه ، بل ذلك على سبيل الإحسان منه تعالى لمن أراد الإحسان إليه . وقيل : ذلك إشارة إلى حب الله لهم وحبهم له . وقيل : إشارة إلى قوله :
أذلة على المؤمنين ، وهو : لين الجانب ، وترك الترفع على المؤمن . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يؤتيه من يشاء ممن يعلم أن له لطفا . انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال . ويؤتيه استئناف ، أو خبر بعد خبر أو حال .
(
والله واسع عليم ) أي : واسع الإحسان والإفضال عليم بمن يضع ذلك فيه .