(
وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) قال
أبو عبيدة : ( إذ ) زائدة . وقال غيره بمعنى ( إذا ) . والظاهر أنها على أصل وضعها ، وأن ما بعدها من الفعل الماضي قد وقع ، ولا يئول قول . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره : كان هذا القول من الله تعالى حين رفع
عيسى إليه ، وقالت
النصارى ما قالت ، وادعت أن
عيسى أمرهم بذلك ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة والجمهور : هذا القول من الله تعالى ، إنما هو يوم القيامة يقول له على رءوس الخلائق ، فيعلم الكفار أن ما كانوا عليه باطل ، فيقع التجوز في استعمال ( إذ ) بمعنى ( إذا ) ، والماضي بعده بمعنى المستقبل ، وفي إيلاء الاستفهام الاسم ، ومجيء الفعل بعده دلالة على صدور الفعل في الوجود ، لكن وقع الاستفهام عن النسبة ، أكان هذا الفعل الواقع صادرا عن المخاطب ، أم ليس بصادر عنه ؟ بيان ذلك أنك تقول : أضربت زيدا ، فهذا استفهام ، هل صدر منك ضرب لزيد أم لا ؟ ولا إشعار فيه بأن ضرب زيد قد وقع . فإذا قلت : أنت ضربت زيدا ؟ كان الضرب قد وقع بزيد ، لكنك استفهمت عن إسناده للمخاطب ، وهذه مسألة بيانية ، نص على ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13674أبو الحسن الأخفش . وذكر المفسرون : أنه لم يقل أحد من
النصارى بإلهية مريم ، فكيف قيل : ( إلهين ) ؟ وأجابوا بأنهم لما قالوا لم تلد بشرا ، وإنما ولدت إلها ، لزمهم أن يقولوا من حيث البعضية بإلهية من ولدته ، فصاروا بمثابة من قال انتهى . والظاهر صدور هذا القول في الوجود ، لا من
عيسى ، ولا يلزم من صدور القول وجود الاتخاذ .
(
قال سبحانك ) أي تنزيها لك . قال
ابن عطية : عن أن يقال هذا وينطق به . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : من أن يكون لك شريك . والظاهر الأول لقوله بعد (
ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15451أبو روق : لما سمع
عيسى هذا المقال ، ارتعدت مفاصله ، وانفجرت من أصل كل شعرة عين من دم ، فقال عند ذلك مجيبا لله تعالى : (
سبحانك ) تنزيها وتعظيما لك وبراءة لك من السوء .
(
ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) هذا نفي يعضده دليل العقل ، فيمتنع عقلا ادعاء بشر محدث الألوهية ، و ( بحق ) خبر ( ليس ) أي ليس مستحقا ، وأجازوا في ( لي )
[ ص: 59 ] أن يكون تبيينا وأن يكون صلة صفة لقوله ( بحق ) لي تقدم ، فصار حالا; أي بحق لي ، ويظهر أنه يتعلق بحق; لأن الباء زائدة ، ( وحق ) بمعنى مستحق; أي ما ليس مستحقا . وأجاز بعضهم أن يكون الكلام قد تم عند قوله : (
ما ليس لي ) وجعل ( بحق ) متعلقا بعلميته الذي هو جواب الشرط . ورد ذلك بادعاء التقديم والتأخير فيما ظاهره خلاف ذلك ، ولا يصار إلى التقديم والتأخير ، إلا لمعنى يقتضي ذلك ، أو بتوقيف ، أو فيما لا يمكن فيه إلا ذلك انتهى هذا القول ورده . ويمتنع أن يتعلق بعلميته; لأنه لا يتقدم على الشرط شيء من معمولات فعل الشرط ، ولا من معمولات جوابه . ووقف
نافع وغيره من القراء على قوله : (
بحق ) وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(
إن كنت قلته فقد علمته ) قال
أبو عبد الله الرازي : هذا مقام خضوع وتواضع ، فقدم ناسخ نفي القول عنه ، ولم يقل ما قلته ، بل فوض ذلك إلى علمه المحيط بالكل ، وهذه مبالغة في الأدب ، وفي إظهار الذلة والمسكنة في حضرة الجلال ، وتفويض الأمر بالكلية إلى الحق سبحانه انتهى . وفيه بعض تلخيص .
(
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) خص النفس لأنها مظنة الكتم والانطواء على المعلومات . قيل : المعنى : تعلم ما أخفي ، ولا أعلم ما تخفي . وقيل : تعلم ما عندي ، ولا أعلم ما عندك . وقيل : تعلم سري ، ولا أعلم سرك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : تعلم معلومي ، ولا أعلم معلومك ، وأتى بقوله : (
ما في نفسك ) على جهة المقابلة والتشاكل; لقوله : (
ما في نفسي ) فهو شبيه بقوله : (
ومكروا ومكر الله ) وقوله : (
إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ) . ومن زعم أن النفس تطلق على ذات الشيء وحقيقته ، كان المعنى عنده تعلم كنه ذاتي ، ولا أعلم كنه ذاتك ، وقد استدلت المجسمة بقوله : (
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) قالوا : النفس هي الشخص ، وذلك يقتضي كونه جسما ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
(
إنك أنت علام الغيوب ) هذا تقرير للجملتين معا; لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب; ولأن ما يعلمه (
علام الغيوب ) لا ينتهي إليه أحد ، فإذا كنت أنت المختص بعلم الغيب ، فلا علم لي بالغيب ، فكيف تكون لي الألوهية ؟ وخرج
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلقاه الله (
سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) الآية كلها . قال
أبو عيسى : حديث حسن صحيح .