(
قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) قرأ الجمهور (
هذا يوم ) ، بالرفع على أن هذا مبتدأ ، و ( يوم ) خبره ، والجملة محكية بـ ( قال ) ، وهي في موضع المفعول به لـ ( قال ) أي هذا الوقت وقت نفع الصادقين ، وفيه إشارة إلى صدق
عيسى ، عليه السلام . وقرأ
نافع ( هذا يوم ) بفتح الميم . وخرجه الكوفيون على أنه مبني خبر لهذا ، وبني لإضافته إلى الجملة الفعلية ، وهم لا يشترطون كون الفعل مبنيا في بناء الظرف المضاف إلى الجملة ، فعلى قولهم تتحد القراءتان في المعنى . وقال البصريون : شرط هذا البناء إذا أضيف الظرف إلى الجملة الفعلية ، أن يكون مصدرا بفعل مبني; لأنه لا يسري إليه البناء ، إلا من المبني الذي أضيف إليه . والمسألة مقررة في علم النحو ، فعلى قول البصريين : هو معرب لا مبني ، وخرج نصبه على وجهين ذكرهما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره; أحدهما : أن يكون ظرفا لـ ( قال ) ، وهذا إشارة إلى المصدر ، فيكون منصوبا على المصدرية; أي قال الله هذا القول ، أو إشارة إلى الخبر ، أو القصص ، كقولك : قال زيد شعرا ، أو قال زيد خطبة ، فيكون إشارة إلى مضمون الجملة . واختلف في نصبه ، أهو على المصدرية ، أو ينتصب مفعولا به ؟ فعلى هذا الخلاف ينتصب إذا كان إشارة إلى الخبر ، أو القصص ، نصب المصدر ، أو نصب المفعول به . قال
ابن عطية : وانتصابه على الظرف . وتقديره (
قال الله هذا ) القصص ، أو الخبر (
يوم ينفع ) معنى يزيل وصف الآية ، وبهاء اللفظ والمعنى ، والوجه الثاني : أن يكون ظرفا خبر ( هذا ) ، ( وهذا ) مرفوع على الابتداء ، والتقدير هذا الذي ذكرناه من كلام
عيسى واقع يوم ينفع ، ويكون هذا يوم ينفع ، جملة محكية بـ ( قال ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش يوما ينفع ، بالتنوين ، كقوله : (
واتقوا يوما لا تجزي ) . وقال
ابن عطية : وقرأ
الحسن بن عياش الشامي (
هذا يوم ) بالرفع والتنوين . وقرأ الجمهور (
صدقهم ) بالرفع فاعل ( ينفع ) ، وقرئ بالنصب ، وخرج على أنه مفعول له; أي لصدقهم ، أو على إسقاط حرف الجر; أي بصدقهم ، أو مصدر مؤكد; أي الذين يصدقون صدقهم ، أو مفعول به; أي يصدقون الصدق ، كما تقول : صدقته القتال ، والمعنى يحققون الصدق .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : إن أريد صدقهم في الآخرة ، فليست بدار عمل ، وإن أريد في الدنيا ، فليس بمطابق لما ورد فيه ، لأنه في معنى الشهادة
لعيسى ، عليه السلام ، بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة ، قلت : معناه الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم انتهى . وهذا بناء على قول من قال : إن هذا القول يكون من الله تعالى في الآخرة ، وقد اتبع
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج في قوله : هذا حقيقته الحكاية ، ومعنى (
ينفع الصادقين صدقهم ) الذي كان في الدنيا ينفعهم في القيامة ، لأن الآخرة ليست بدار عمل ، ولا ينفع أحدا فيها ما قال ، وإن حسن ، ولو صدق الكافر ، وأقر بما عمل ، فقال : كفرت ، وأسأت ما نفعه ، وإنما الصادق الذي ينفعه صدقه الذي كان فيه في الدنيا والآخرة انتهى . والظاهر أنه ابتداء كلام من الله تعالى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هذا فصل من كلام
عيسى ، عليه السلام ، أي : يقول
عيسى يوم القيامة : قال الله تعالى ، واختلف في هذا اليوم ، فقيل : يوم القيامة ، كما ذكرناه ، وخص بالذكر ، لأنه يوم الجزاء الذي فيه تجبى ثمرات الصدق الدائمة الكاملة ، وإلا فالصدق ينفع في كل يوم ، وكل وقت . وقيل : هو يوم من أيام الدنيا ، فإن العمل لا ينفع إلا إذا كان في الدنيا . والصادقون هنا النبيون ، وصدقهم تبليغهم ، أو المؤمنون ، وصدقهم إخلاصهم في إيمانهم ، أو صدق عهودهم ، أو صدقهم في العمل لله تعالى ، أو صدقهم تركهم الكذب على الله ، وعلى رسله ، أو صدقهم في الآخرة في الشهادة
[ ص: 64 ] لأنبيائهم بالبلاغ ، أو شهدوا به على أنفسهم من أعمالهم ، ويكون وجه النفع فيه أن يكفوا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة ، فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم ، أقوال ستة ، والظاهر العموم ، فكل صادق ينفعه صدقه . (
لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) هذا كأنه جواب سائل ما لهم جزاء على الصدق ؟ فقيل : لهم جنات . (
خالدين فيها أبدا ) إشارة إلى تأبيد الديمومية في الجنة . (
رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ، قيل : بقبول حسناتهم ، ورضوا عنه بما آتاهم من الكرامة . وقيل : بطاعتهم ، ورضوا عنه في الآخرة بثوابه . وقال
الترمذي : بصدقهم ، ورضوا عنه بوفاء حقهم . وقيل : في الدنيا ، ورضوا عنه في الآخرة . وقال
أبو عبد الله الرازي : في قوله (
رضي الله عنهم ) هو إشارة إلى التعظيم ، هذا على ظاهر قول المتكلمين ، وأما عند أصحاب الأرواح المشرقة بأنوار جلال الله تعالى فتحت قوله : (
رضي الله عنهم ورضوا عنه ) أسرار عجيبة لا تسمح الأقلام بمثلها ، جعلنا الله من أهلها انتهى ، وهو كلام عجيب شبيه بكلام أهل الفلسفة والتصوف . (
ذلك الفوز العظيم ) ذلك إشارة إلى ما تقدم من كينونة الجنة لهم على التأبيد ، وإلى رضوان الله عنهم; لأن الجنة بما فيها كالعدم بالنسبة إلى رضوان الله ، وثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374367يطلع الله على أهل الجنة ، فيقول : يا أهل الجنة هل رضيتم ؟ فيقولون : يا ربنا ، وكيف لا نرضى ، وقد بعدتنا عن نارك ، وأدخلتنا جنتك ، فيقول الله تعالى : ولكم عندي أفضل من ذلك ، فيقولون : وما أفضل من ذلك ؟ فيقول الله عز وجل : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعدها أبدا .