ولا لكما منجى من الأرض فابغيا به نفقا أو في السماوات سلما
وقال : السلم من السلامة ، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك ، والسلم الذي يصعد عليه ، ويرتقى ، وهو مذكر . وحكى الزجاج الفراء فيه التأنيث ، قال بعضهم : تأنيثه على معنى المرقاة ، لا بالوضع كما أنث الصوت بمعنى الصيحة والاستغاثة في قوله : سائل بني أسد ما هذه الصوت . ومعنى الآية قال : يعني أنك لا تستطيع ذلك ، والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وتهالكه عليه ، وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض ، أو من فوق السماء ، لأتى بها رجاء إيمانهم . وقيل : كانوا يقترحون الآيات ، فكان يود أن يجابوا إليها لتمادي حرصه على إيمانهم ، فقيل له : إن استطعت كذا فافعل دلالة على أنه بلغ من حرصه ، أنه لو استطاع ذلك لفعله حتى يأتيهم بما اقترحوا لعلهم يؤمنون انتهى . والظاهر من قوله : ( الزمخشري فتأتيهم بآية ) أن الآية هي غير ابتغاء النفق في الأرض ، أو السلم في السماء ، وأن المعنى : أن تبتغي نفقا في الأرض ، فتدخل فيه أو سلما في السماء ، فتصعد عليه إليها ( فتأتيهم بآية ) غير الدخول في السرب ، والصعود إلى السماء مما يرجى إيمانهم بسببها ، أو مما اقترحوه رجاء إيمانهم ، وتلك الآية من إحدى الجهتين . وقال ابن عطية : وقوله تعالى : ( وإن كان كبر عليك إعراضهم ) إلزام الحجة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتقسيم الأحوال عليهم حتى يتبين أن لا وجه إلا الصبر والمضي لأمر الله تعالى ، والمعنى إن كنت تعظم تكذيبهم وكفرهم على نفسك ، وتلتزم الحزن عليه ، فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض ، أو على ارتقاء سلم في السماء ، فدونك وشأنك به; أي إنك لا تقدر على شيء من هذا ، ولا بد من التزام الصبر ، واحتمال المشقة ، ومعارضتهم بالآيات التي نصبها الله للناظرين المتأملين ، إذ هو لا إله إلا هو ، لم يرد أن يجمعهم على الهدى ، وإنما أراد أن ينصب من الآيات ما يهتدي بالنظر فيه قوم بحق ملكه ( فلا تكونن من الجاهلين ) أي في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله وأمضاه وعلم المصلحة فيه انتهى . وأجاز الزمخشري وابن عطية أن تكون الآية التي يأتي بها ، هي نفس الفعل . قال : ويجوز أن يكون ابتغاء النفق في الأرض ، أو السلم في السماء ، هو الإتيان بالآية ، كأنه قيل : لو استطعت النفوذ إلى ما تحت الأرض ، أو الترقي في السماء ، لعل ذلك يكون آية لك يؤمنون بها . وقال الزمخشري ابن عطية : ( فتأتيهم بآية ) بعلامة ، ويريد : إما في فعلك ذلك; أي تكون الآية نفس دخولك في الأرض ، وارتقائك في السماء ، وإما في أن تأتيهم بالآية من إحدى الجهتين انتهى . وما جوزوا من ذلك لا يظهر من دلالة اللفظ ، إذ لو كان ذلك كما جوزاه ، لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية ، وأيضا فأي آية في دخول سرب في الأرض . وأما [ ص: 115 ] الرقي في السماء ، فيكون آية . وقيل : قوله : ( أن تبتغي نفقا في الأرض ) إشارة إلى قولهم ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) وقوله : ( أو سلما في السماء ) إشارة إلى قولهم : ( أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك ) . وكان فيها ضمير الشأن ، والجملة المصدرة بـ ( كبر عليك إعراضهم ) في موضع خبر ( كان ) ، وفي ذلك دليل على أن خبر ( كان ) وأخواتها يكون ماضيا ، ولا يحتاج فيه إلى تقدير ( قد ) ; لكثرة ما ورد من ذلك في القرآن وكلام العرب ، خلافا لمن زعم أنه لا بد فيه من ( قد ) ظاهرة ، أو مقدرة ، وخلافا لمن حصر ذلك بـ ( كان ) دون أخواتها ، وجوزوا أن يكون اسمها ( إعراضهم ) ، فلا يكون مرفوعا بـ ( كبر ) كما في القول الأول ، وكبر فيه ضمير يعود على الإعراض ، وهو في موضع الخبر ، وهي مسألة خلاف ، وجواب الشرط محذوف; لدلالة المعنى عليه ، وتقديره : فافعل كما تقول : إن شئت تقوم بنا إلى فلان نزوره; أي فافعل; ولذلك جاء فعل الشرط بصيغة الماضي ، أو المضارع المنفي بـ ( لم ) ; لأنه ماض ، ولا يكون بصيغة المضارع إلا في الشعر .