(
فلا تكونن من الجاهلين ) . تقدم قول
ابن عطية في أن تأسف وتحزن على أمر
[ ص: 116 ] أراده الله تعالى ، وأمضاه ، وعلم المصلحة فيه .
وقال أيضا : و ( من الجاهلين ) يحتمل في أن لا تعلم أن الله (
ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) ويحتمل في أن تهتم بوجود كفرهم الذي قدره الله وأراده ، وتذهب بك نفسك إلى ما لم يقدر الله انتهى . وضعف الاحتمال الأول بأنه مع كمال ذاته وتوفر معلوماته وعظيم اطلاعه على ما يليق بقدرة الحق جل جلاله ، واستيلائه على جميع مقدوراته ، لا ينبغي أن يوصف بأنه جاهل; لأنه تعالى لو شاء لجمعهم على الهدى; لأن هذا من قبيل الدين والعقائد ، فلا يجوز أن يكون جاهلا بها ، وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قد فسر قوله : (
ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) بأن تأتيهم آية ملجئة ، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة ، فقال في قوله : (
فلا تكونن من الجاهلين ) من الذين يجهلون ذلك ، ويرومون ما هو خلافه . وأشار بذلك إلى الإتيان بالآية الملجئة إلى الإيمان ، وتقدم الكلام في الإلجاء . وقيل : لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم ويكفر بعضهم ، وضعف بأن هذا ليس مما يجهله - صلى الله عليه وسلم - . وقيل لا تكونن ممن لا صبر له لأن قلة الصبر من أخلاق الجاهلين ، وضعف بأنه تعالى قد أمره بالصبر في آيات كثيرة ومع أمر الله له بالصبر وبيان أنه خير يبعد أن يوصف بعد صبره بقلة الصبر . وقيل : لا يشتد حزنك لأجل كفرهم فتقارب حال الجاهل بأحكام الله وقدره ، وقد صرح بهذا في قوله : (
فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) وقال قوم : جاز هذا الخطاب لأنه لقربه من الله ومكانته عنده كان ذلك حملا عليه كما يحمل العاقل على قريبه فوق ما يحمله على الأجانب ، خشية عليه من تخصيص الإذلال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي والمهدوي : الخطاب له والمراد به أمته ، وتمم هذا القول بأنه كان يحزنه إصرار بعضهم على الكفر وحرمانهم ثمرات الإيمان . قال
ابن عطية : وهذا ضعيف لا يقتضيه اللفظ انتهى . وقيل : الرسول معصوم من الجهل والشك بلا خلاف ، ولكن العصمة لا تمنع الامتحان بالأمر والنهي ، أو لأن ضيق صدره وكثرة حزنه من الجبلات البشرية ، وهي لا ترفعها العصمة بدليل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374378اللهم إني بشر وإني أغضب كما يغضب البشر ، الحديث . وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374379إنما أنا بشر فإذا نسيت فذكروني . انتهى . والذي أختاره أن هذا الخطاب ليس للرسول ، وذلك أنه تعالى قال : (
ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) فهذا إخبار وعقد كلي أنه لا يقع في الوجود إلا ما شاء وقوعه ، ولا يختص هذا الإخبار بهذا الخطاب بالرسول بل الرسول عالم بمضمون هذا الإخبار ، فإنما ذلك للسامع فالخطاب والنهي في ( فلا تكونن ) للسامع دون الرسول فكأنه قيل : ولو شاء الله أيها السامع الذي لا يعلم أن ما وقع في الوجود بمشيئة الله جمعهم على الهدى لجمعهم عليه ، فلا تكونن أيها السامع من الجاهلين بأن ما شاء الله إيقاعه وقع ، وأن الكائنات معذوقة بإرادته .