(
وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم )
[ ص: 229 ] أي : ومثل تزيين قسمة القربان بين الله وآلهتهم وجعلهم آلهتهم شركاء لله في ذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي علم من الشياطين ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : ويجوز أن يكون ( وكذلك ) مستأنفا غير مشار به إلى ما قبله ، فيكون المعنى وهكذا زين . انتهى . و ( كثير ) يراد به من كان من مشركي العرب . قال
مجاهد : (
شركاؤهم ) شياطينهم ، أمروهم أن يدفنوا بناتهم أحياء خشية العيلة . وقال
الكلبي : (
شركاؤهم ) سدنتهم وخزنتهم التي لآلهتهم ، كانوا يزينون لهم دفن البنات أحياء . وقيل : رؤساؤهم كانوا يقتلون الإناث تكبرا والذكور خوف الفقر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
قتل أولادهم ) بالوأد أو بنحرهم للآلهة ، وكان الرجل يحلف في الجاهلية لئن ولد له كذا غلاما لينحرن أحدهم ، كما حلف
عبد المطلب . وقرأ الجمهور : (
زين ) مبنيا للفاعل ، ونصب (
قتل ) مضافا إلى (
أولادهم ) ، ورفع (
شركاؤهم ) فاعلا بزين ، وإعراب هذه القراءة واضح ، وقرأت فرقة منهم
السلمي والحسن وأبو عبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر : ( زين ) مبنيا للمفعول ، ( قتل ) مرفوعا مضافا إلى (
أولادهم ) (
شركاؤهم ) مرفوعا على إضمار فعل ، أي : زينه شركاؤهم ، هكذا خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، أو فاعلا بالمصدر ، أي : (
قتل أولادهم شركاؤهم ) ، كما تقول : حبب لي ركوب الفرس زيد ، هكذا خرجه قطرب . فعلى توجيه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه الشركاء مزينون لا قاتلون ، كما ذلك في القراءة الأولى ، وعلى توجيه
قطرب الشركاء قاتلون . ومجازه أنهم لما كانوا مزينين القتل جعلوا هم القاتلين وإن لم يكونوا مباشري القتل ، وقرأت فرقة كذلك إلا أنهم خفضوا شركائهم ، وعلى هذا الشركاء هم الموؤدون لأنهم شركاء في النسب والمواريث ، أو لأنهم قسيمو أنفسهم وأبعاض منها . وقرأ
ابن عامر : ( كذلك ) إلا أنه نصب (
أولادهم ) وجر "
شركاؤهم " ، فصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول ، وهي مسألة مختلف في جوازها ، فجمهور البصريين يمنعونها متقدموهم ومتأخروهم ، ولا يجيزون ذلك إلا في ضرورة الشعر ، وبعض النحويين أجازها ، وهو الصحيح لوجودها في هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلى العربي الصريح المحض
ابن عامر الآخذ القرآن عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان قبل أن يظهر اللحن في لسان العرب ، ولوجودها أيضا في لسان العرب في عدة أبيات قد ذكرناها في كتاب ( منهج السالك ) من تأليفنا ، ولا التفات إلى قول
ابن عطية ، وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب ، وذلك أنه أضاف الفعل إلى الفاعل وهو الشركاء ، ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، ورؤساء العربية لا يجيزون الفصل بالظروف في مثل هذا إلا في الشعر ، كقوله :
كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل
فكيف بالمفعول في أفصح كلام ، ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده
nindex.php?page=showalam&ids=13674أبو الحسن الأخفش :
فزججته بمزجة زج القلوص أبي مزادة
وفي بيت
الطرماح وهو قوله :
[ ص: 230 ] يطفن بحوزي المراتع لم يرع بواديه من قرع القسي الكنائن
انتهى كلام
ابن عطية ، ولا التفات أيضا إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إن الفصل بينهما ، يعني بين المضاف والمضاف إليه فشا ، لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر كان سمجا مردودا ، فكيف به في القرآن المعجز لحسن نظمه وجزالته ؟ والذي حمله على ذلك أن رأى في بعض المصاحف ( شركائهم ) مكتوبا بالياء ، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد (
شركاؤهم ) في أموالهم ، لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب ، انتهى ما قاله . وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في لسان العرب في غير ما بيت ، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقا وغربا ، وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم ، ولا التفات أيضا لقول
أبي علي الفارسي : هذا قبيح قليل في الاستعمال ، ولو عدل عنها يعني
ابن عامر كان أولى ; لأنهم لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف ، وإنما أجازوه في الشعر . انتهى . وإذا كانوا قد فصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالجملة في قول بعض العرب : هو غلام إن شاء الله أخيك ، فالفصل بالمفرد أسهل ، وقد جاء الفصل في اسم الفاعل في الاختيار . قرأ بعض السلف : " مخلف وعده رسله " بنصب وعده وخفض رسله ، وقد استعمل
أبو الطيب الفصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول اتباعا لما ورد عن العرب ، فقال :
بعثت إليه من لساني حديقة سقاها الحجا سقي الرياض السحائب
وقال
أبو الفتح : إذا اتفق كل شيء من ذلك نظر في حال العربي وما جاء به ، فإن كان فصيحا وكان ما أورده يقبله القياس فالأولى أن يحسن به الظن ; لأنه يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو بن العلاء : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير ، ونحوه ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه حفظ أقل ذلك وذهب عنهم كثيره ، يعني الشعر في حكاية فيها طول . وقال
أبو الفتح : فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح إذا سمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ، انتهى ملخصا مقتصرا على بعض ما قاله . وقرأ بعض أهل
الشام ورويت عن
ابن عامر : (
زين ) بكسر الزاي وسكون الياء على القراءة المتقدمة من الفصل بالمفعول ، ومعنى (
ليردوهم ) ليهلكوهم من الردى وهو الهلاك ، (
وليلبسوا ) ليخلطوا ، و (
دينهم ) ما كانوا عليه من دين
إسماعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك . وقيل (
دينهم ) الذي وجب أن يكونوا عليه . وقيل : معناه وليوقعوهم في دين ملتبس . وقرأ
النخعي : ( وليلبسوا ) بفتح الياء . قال
أبو الفتح : استعارة من اللباس عبارة عن شدة المخالطة ، واللام متعلقة بـ (
زين ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إن كان التزيين من الشياطين فهي على حقيقة التعليل ، وإن كان من السدنة فعلى معنى الصيرورة .
(
ولو شاء الله ما فعلوه ) الظاهر عود الضمير على القتل لأنه المصرح به والمحدث عنه ، والواو في (
فعلوه ) عائد على الكثير . وقيل : الهاء للتزيين والواو للشركاء . وقيل : الهاء للبس ، وهذا بعيد . وقيل : لجميع ذلك إن جعلت الضمير جار مجرى الإشارة ، وهذه الجملة رد على من زعم أنه يخلق أفعاله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
ولو شاء الله ) مشيئة قسر . انتهى . وهو على مذهبه الاعتزالي .
(
فذرهم وما يفترون ) أي : ما يختلقون من الإفك على الله
[ ص: 231 ] والأحكام التي يشرعونها ، وهو أمر تهديد ووعيد .