(
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) قرأ الأخوان : ( وإن هذا ) بكسر الهمزة وتشديد النون على الاستئناف ، (
فاتبعوه ) جملة معطوفة على الجملة المستأنفة . وقرأ الباقون بفتحها ، وخفف
ابن عامر النون ، وشددها الباقون . وقرأ
عبد الله بن أبي إسحاق : ( وإن )
[ ص: 254 ] كقراءة
ابن عامر ، فأما تخفيف النون فعلى أنه حذف اسم إن وهو ضمير الشأن ، وخرجت قراءة فتح الهمزة على وجوه : أحدها : أن يكون تعليلا حذف منها اللام ، تقديره : ولأن هذا (
صراطي مستقيما فاتبعوه ) ، كقوله : (
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) ، وقد صرح باللام في قوله : (
لإيلاف قريش إيلافهم ) ، ( فليعبدوا ) . قال
الفارسي : قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في فتح الهمزة أن تكون الفاء زائدة بمنزلتها في زيد فقام . الوجه الثاني : أن تكون معطوفة على ( أن لا تشركوا ) ، أي : أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد وأتل عليكم أن هذا صراطي ، وهذا على تقدير أن ( أن ) في ( أن لا تشركوا ) مصدرية ، قاله
الحوفي ، هكذا قرروا هذا الوجه فجعلوه معطوفا على البدل مما حرم ، وهو " أن لا تشركوا " . وقال
أبو البقاء : إنه معطوف على المبدل منه ، أي : أتل الذي حرم وأتل أن هذا (
صراطي مستقيما ) ، وهو تخريج سائغ في الكلام ، وعلى هذا فالصراط مضاف للمتكلم وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصراطه هو صراط الله . الوجه الثالث : أن يكون في موضع جر عطفا على الضمير في به ، قاله
الفراء ، أي : وصاكم به ، وبأن حذفت الباء لطول أن بالصلة . قال
الحوفي : وهي مرادة ، ولا يكون في هذا عطف مظهر على مضمر لإرادتها . وقال
أبو البقاء : هذا فاسد لوجهين ، أحدهما عطف المظهر على المضمر من غير إعادة الجار ، والثاني أنه يصير المعنى : وصاكم باستقامة الصراط . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش : و (
هذا صراطي ) ، وكذا في مصحف
عبد الله ، ولما فصل في الآيتين قبل أجمل في هذه إجمالا يدخل فيه جميع ما تقدم وجميع شريعته ، والإشارة بهذا إلى الإسلام أو القرآن أو ما ورد في هذه السورة ; لأنها كلها في التوحيد وأدلة النبوة وإثبات الدين وإلى هذه الآيات التي أعقبتها هذه الآية ; لأنها المحكمات التي لم تنسخ في ملة من الملل ، أقوال أربعة . ( فاتبعوه ) أمر باتباعه كله ، والمعنى : فاعملوا بمقتضاه من تحريم وتحليل وأمر ونهي وإباحة .
(
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هي الضلالات ، قال
مجاهد : البدع والأهواء والشبهات . وقال
مقاتل : ما حرموا على أنفسهم من الأنعام والحرث . وقيل : سبل الكفر كاليهودية والنصرانية والمجوسية وما يجري مجراهم في الكفر والشرك ، وفي مسند
الدارمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374404خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما خطا ثم قال : " هذا سبيل الله " ، ثم خط خطوطا عن يمينه ويساره ثم قال : " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها " ، ثم قرأ هذه الآية ، وعن
جابر نحو منه في سنن
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه . وانتصب " فتفرق " لأجل النهي جوابا له ، أي : فتفرق ، فحذف التاء . وقرئ : ( فتفرق ) بتشديد التاء .
(
ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) كرر التوصية على سبيل التوكيد ، ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف ، وأمر تعالى باتباعه ونهى عن بنيات الطرق ، ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار ، إذ من اتبع صراطه نجاه النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية . قال
ابن عطية : ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله ، جاءت العبادة (
لعلكم تعقلون ) ، والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر ، وركوب الجادة الكاملة تتضمن فعل الفضائل وتلك درجة التقوى .