(
أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) انتقال من الإخبار لحصر إنزال الكتاب على غيرهم ، وأنه لم ينزل عليهم إلى الإخبار بحكم على تقدير ، والكتاب يجوز أن يراد به الكتاب السابق ذكره ، ويجوز أن يراد الكتاب الذي تمنوا أن ينزل عليهم ، ومعنى (
أهدى منهم ) أرشد وأسرع اهتداء لكونه نزل علينا بلساننا ، فنحن نتفهمه ونتدبره وندرك
[ ص: 258 ] ما تضمنه من غير إكداد فكر ولا تعلم لسان ، بخلاف الكتاب الذي أنزل على الطائفتين ، فإنه بغير لساننا ، فنحن لا نعرفه ولا نغفل عن دراسته ، أو (
أهدى منهم ) لكون اليهود والنصارى قد افترقت فرقا متباينة فلا نعرف الحق من الباطل .
(
فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) هذا قطع لاعتذارهم بانحصار إنزال الكتاب على الطائفتين وبكونهم لم ينزل عليهم كتاب ، ولو نزل لكانوا أهدى من الطائفتين . والظاهر أن البينة هي القرآن وهو الحجة الواضحة الدالة النيرة ، حيث نزل عليهم بلسانهم وألزم العالم أحكامه وشريعته ، وإن الهدى والنور من صفات القرآن . وقيل : البينة الرسول ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . (
بينة من ربكم ) أي : حجة وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن . وقيل : آيات الله التي أظهرها في كتابه وعلى لسان رسوله . وقيل : دين الله ، والهدى والنور على هذه الأقوال من صفات ما فسرت البينة به . والفاء في قوله : (
فقد جاءكم ) على ما قدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره ، جواب شرط محذوف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والمعنى إن صدقتم فيما كنتم تعدون من أنفسكم (
فقد جاءكم بينة من ربكم ) ، فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف . انتهى . وقدره غيره : إن كنتم كما تزعمون إذا نزل عليكم كتاب تكونون أهدى من اليهود والنصارى ، (
فقد جاءكم ) . وأطبق المفسرون على أن الغرض بهذه الجملة إقامة الحجة على مشركي العرب وقطع احتجاجهم .