(
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) الضمير في (
ينظرون ) عائد على الذين قيل لهم : (
فقد جاءكم بينة ) ، وهم العادلون بربهم من العرب الذين مضى أكثر السورة في جدالهم ، أي : ما ينتظرون (
إلا أن تأتيهم الملائكة ) إلى قبض أرواحهم وتعذيبها ، وهو وقت لا تنفع فيه توبتهم ، وهو قول
مجاهد وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج . وقيل : (
أن تأتيهم الملائكة ) الذين ينصرفون يوم القيامة " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين " . وقيل : ذلك إشارة إلى قولهم : " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " أي : رسلا من الله إليهم كما تمنوا ، أو يأتي أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
مجاهد : (
أو يأتي ربك ) بعلمه وقدرته بلا أين ولا كيف لفصل القضاء بين خلقه في الموقف يوم القيامة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أو يأتي إهلاك ربك إياهم . قال
ابن عطية : وعلى كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقديره : أمر ربك وبطش وحساب ربك ، وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله - تعالى - ألا ترى أن الله - تعالى - يقول : (
فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) ، فهذا إتيان قد وقع وهو على المجاز وحذف المضاف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
أو يأتي ) كل آيات ربك بدليل قوله : (
أو يأتي بعض آيات ربك ) يريد آيات القيامة والهلاك الكلي ، و (
بعض آيات ربك ) أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها
[ ص: 259 ] وغيرها . انتهى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ومجاهد وقتادة والسدي : إنه طلوع الشمس من مغربها ، ورواه
أبو سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي الصحيحين عنه عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374405 " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فيما روى عنه
مسروق : طلوع الشمس والقمر من مغربهما . وقيل : إحدى الآيات الثلاث طلوع الشمس من مغربها والدابة وفتح
يأجوج ومأجوج ، رواه
القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : طلوعها
والدجال والدابة وفتح
يأجوج ومأجوج . وقيل : العشر الآيات التي في حديث
البراء طلوع الشمس من مغربها ،
والدجال ، والدابة ، وخسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، ونزول
عيسى ، وفتح
يأجوج ومأجوج ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر . والظاهر أنهم توعدوا بالشيء العظيم من أشراط الساعة ليذهب الفكر في ذلك كل مذهب ، لكن أتى بعد ذلك الإخبار عنه عن هذا البعض بعدم قبول التوبة فيه إذا أتى ، وتصريح الرسول بأن طلوع الشمس من مغربها وقت لا تنفع فيه التوبة فيظهر أنه هذا البعض ، ويحتمل أن يكون هذا البعض غرغرة الإنسان عند الموت ، فإنها تكون في وقت لا تنفع فيه التوبة . قال تعالى : (
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ) ، وفي الحديث أن توبة العبد تقبل ما لم يغرغر ، ويحتمل أن يكون قوله : (
يوم يأتي بعض آيات ربك ) غير قوله : (
أو يأتي بعض آيات ربك ) ، فيكون هذا عبارة عن ما يقطع بوقوعه من أشراط الساعة ، ويكون قوله (
يوم يأتي بعض آيات ربك ) فيه وصف محذوف يدل عليه المعنى ، تقديره : (
يوم يأتي بعض آيات ربك ) التي يرتفع معها التوبة . وثبت بالحديث الصحيح أن طلوع الشمس من مغربها وقت لا تقبل فيه التوبة ، ويدل على التغاير إعادة " آيات ربك " ، إذ لو كانت هذه تلك لكان التركيب يوم يأتي بعضها ، أي : بعض آيات ربك .
(
يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) منطوق الآية أنه إذا أتى هذا البعض لا ينفع نفسا كافرة إيمانها الذي أوقعته إذ ذاك ، و لا ينفع نفسا سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرا فعلق نفي الإيمان بأحد وصفين : إما نفي سبق الإيمان فقط ، وإما سبقه مع نفي كسب الخير ، ومفهومه أنه ينفع الإيمان السابق وحده أو السابق ومعه الخير ، ومفهوم الصفة قوي ، فيستدل بالآية لمذهب أهل السنة من أن الإيمان لا يشترط في صحته العمل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
آمنت من قبل ) صفة لقوله : (
نفسا ) ، وقوله : (
أو كسبت في إيمانها خيرا ) عطف على (
آمنت ) ، والمعنى : أن أشراط الساعة إذا جاءت ، وهي آيات ملجئة مضطرة ، ذهب أوان التكليف عندها ، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها من قبل ظهور الآيات ، أو مقدمة إيمانها غير كاسبة خيرا في إيمانها ، فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان ، وبين النفس التي آمنت في وقتها ولم تكسب خيرا ، ليعلم أن قوله : (
الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد ، وإلا فالشقاوة والهلاك . انتهى . وهو جار على مذهبه الاعتزالي . وقرأ الأخوان : " إلا أن يأتيهم " بالياء . وقرأ
ابن عمرو nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين وأبو العالية : " يوم تأتي بعض " بالتاء ، مثل " تلتقطه بعض السيارة " ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين : " لا تنفع نفسا " . قال
أبو حاتم : ذكروا أنها غلط منه . وقال
النحاس : في هذا شيء دقيق ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل منهما مشتمل على الآخر ، فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ، وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه - رحمه الله - :
[ ص: 260 ] مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
انتهى .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين " لا تنفع " بالتاء ، لكون الإيمان مضافا إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه ، لقوله : ذهبت بعض أصابعه . انتهى . وهو غلط ; لأن الإيمان ليس بعضا للنفس ، ويحتمل أن يكون أنث على معنى الإيمان وهو المعرفة أو العقيدة ، فكان مثل جاءته كتابي فاحتقرها ، على معنى الصحيفة ، ونصب (
يوم يأتي ) بقوله : (
لا ينفع ) ، وفيه دليل على تقدم معمول الفعل المنفي بلا على لا ، خلافا لمن منع . وقرأ
زهير القروي : ( يوم يأتي ) بالرفع ، والخبر (
لا ينفع ) ، والعائد محذوف أي : لا ينفع فيه ، وإن لم يكن صفة ، وجاز الفصل بالفاعل بين الموصوف وصفته لأنه ليس بأجنبي ، إذ قد اشترك الموصوف الذي هو المفعول والفاعل في العامل ، فعلى هذا يجوز : ضرب هندا غلامها التميمية ، ومن جعل الجملة حالا أبعد ، ومن جعلها مستأنفة فهو أبعد .
(
قل انتظروا إنا منتظرون ) أي : انتظروا ما تنتظرون (
إنا منتظرون ) ما يحل بكم ، وهو أمر تهديد ووعيد . من قال : إنه أمر بالكف عن القتال ، فهو منسوخ عنده بآية السيف .