(
إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) هذا بيان لقوله : (
أتأتون الفاحشة ) وأتى هنا من قوله أتى المرأة غشيها وهو استفهام على جهة التوبيخ والإنكار ، وقرأ
نافع وحفص ( إنكم ) على الخبر المستأنف ، و ( شهوة ) مصدر في موضع الحال . قاله
الحوفي ،
وابن عطية ، وجوزه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ،
وأبو البقاء ، أي : مشتهين تابعين للشهوة غير ملتفتين لقبحها ، أو مفعول من أجله . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، وبدأ به
أبو البقاء ، أي : للاشتهاء لا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة ولا ذم أعظم منه ؛ لأنه وصف لهم بالبهيمة ، وأنهم لا داعي لهم من جهة العقل كطلب النسل ونحوه و (
من دون النساء ) في موضع الحال ، أي : منفردين عن النساء ، وقال
الحوفي : (
من دون النساء ) متعلق بشهوة و ( بل ) هنا للخروج من قصة إلى قصة تنبئ بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء ، وقيل : إضراب عن تقريرهم وتوبيخهم والإنكار ، أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح وتدعو إلى اتباع الشهوات وهي الإسراف ، وهو الزيادة المفسدة لما كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا المعتاد إلى غيره ونحوه (
بل أنتم قوم عادون ) ، وقيل : إضراب عن محذوف تقديره ما عدلتم ، بل أنتم ، وقال
الكرماني : بل رد لجواب زعموا أن يكون لهم عذر ، أي : لا عذر لكم ولا حجة (
بل أنتم ) وجاء هنا (
مسرفون ) باسم الفاعل ليدل على الثبوت ولموافقة ما سبق من رءوس الآي في ختمها بالأسماء ، وجاء في النمل (
تجهلون ) بالمضارع لتجدد الجهل فيهم ولموافقة ما سبق من رءوس الآي في ختمها بالأفعال .
(
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم ) الضمير في (
أخرجوهم ) عائد على
لوط ومن آمن به ولما تأخر نزول هذه السورة عن سورة النمل أضمر ما فسره الظاهر في النمل من قوله : (
أخرجوا آل لوط من قريتكم ) ،
وآل لوط ابنتاه وهما
رعواء وريفاء ومن تبعه من المؤمنين ، وقيل : لم يكن معه إلا ابنتاه كما قال تعالى : (
فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) وقال
ابن عطية : والضمير عائد على
آل لوط وأهله وإن كان لم يجر لهم ذكر فإن المعنى يقتضيهم ، وقرأ
الحسن ( جواب ) بالرفع . انتهى وهنا جاء العطف بالواو ، والمراد بها أحد محاملها الثلاث من التعقيب المعني في النمل في قوله : (
تجهلون فما ) وفي العنكبوت (
وتأتون في ناديكم المنكر فما ) وكان التعقيب مبالغة في الرد حيث لم يمهلوا في الجواب زمانا ، بل أعجلوه بالجواب سرعة
[ ص: 335 ] وعدم البراءة بما يجاوبون به ولم يطابق الجواب قوله ؛ لأنه لما أنكر عليهم الفاحشة وعظم أمرها ونسبهم إلى الإسراف بادروا بشيء لا تعلق له بكلامه وهو الأمر بالإخراج ونظيره جواب قوم
إبراهيم بأن قالوا : (
حرقوه وانصروا آلهتكم ) حتى قبح عليهم بقوله : (
أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون ) فأتوا بجواب لا يطابق كلامه ، والقرية هي
سدوم سميت باسم
سدوم بن باقيم الذي يضرب المثل في الحكومات ، هاجر
لوط مع عمه
إبراهيم من أرض
بابل فنزل
إبراهيم أرض
فلسطين ، وأنزل
لوطا الأردن .
(
إنهم أناس يتطهرون ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد يتقذرون عن إتيان أدبار الرجال والنساء ، وقيل : يأتون النساء في الأطهار ، وقال
ابن بحر : يرتقبون أطهار النساء فيجامعونهن فيها ، وقيل : يتنزهون عن فعلنا ، وهو معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ، وقيل : يغتسلون من الجنابة ويتطهرون بالماء ، عيروهم بذلك ويسمى هذا النوع في علم البيان التعريض بما يوهم الذم ، وهو مدح كقوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : عابوهم بما يمدح به ، والظاهر أن قوله : ( إنهم ) تعليل للإخراج ، أي : لأنهم لا يوافقوننا على ما نحن عليه ، ومن لا يوافقنا وجب أن نخرجه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وقولهم (
إنهم أناس يتطهرون ) سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش وافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشيطان من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد .
(
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) ، أي : (
فأنجيناه وأهله ) من العذاب الذي حل بقومه وأهله هم المؤمنون معه ، أو ابنتاه على الخلاف الذي سبق ، واستثنى من أهله امرأته فلم تنج واسمها واهلة كانت منافقة تسر الكفر موالية لأهل
سدوم ومعنى (
من الغابرين ) من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا ، وعلى هذا يكون قوله : (
كانت من الغابرين ) تفسيرا وتوكيدا لما تضمنه الاستثناء من كونها لم ينجها الله تعالى . وقال
أبو عبيدة : (
إلا امرأته ) اكتفى به في أنها لم تنج ، ثم ابتدأ وصفها بعد ذلك بصفة لا تتعلق بها النجاة ولا الهلكة ، وهي أنها كانت ممن أسن وبقي من عصره إلى عصر غيره فكانت غابرة ، أي : متقدمة في السن كما قال : إلا عجوزا في الغابرين إلى أن هلكت مع قومها . انتهى . وجاء (
من الغابرين ) تغليبا للذكور على الإناث ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : من الغائبين عن النجاة فيكون توكيدا لما تضمنه الاستثناء . انتهى . و (
كانت ) بمعنى صارت ، أو كانت في علم الله ، أو باقية على ظاهرها من تقييد غبورها بالزمان الماضي ، أقوال .
(
وأمطرنا عليهم مطرا ) ضمن ( أمطرنا ) معنى أرسلنا فلذلك عداه بعلى كقوله : فأمطرنا عليهم حجارة من السماء ، والمطر هنا هي حجارة ، وقد ذكرت في غير آية خسف بهم وأمطرت عليهم الحجارة ، وقيل : كانت المؤتفكة خمس مدائن ، وقيل : ست ، وقيل : أربع ، اقتلعها
جبريل بجناحه فرفعها حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير وصياح الديكة ، ثم عكسها فرد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض ، وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم في سفر ، أو خارجا عن البقاع ، وقالت امرأة
لوط حين سمعت الرجة واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها ، والظاهر أن الإمطار شملهم كلهم ، وقيل : خسف بأهل المدن وأمطرت الحجارة على المسافرين منهم ، وسئل
مجاهد هل سلم منهم أحد قال : لا ، إلا رجلا كان
بمكة تاجرا وقف الحجر له أربعين يوما حتى قضى تجارته ، وخرج من الحرم فأصابه فمات ، وكان عددهم مائة ألف .
(
فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) خطاب للرسول ، أو للسامع قصتهم كيف كان مآل من أجرم ، وفيه إيقاظ وازدجار أن تسلك هذه الأمة هذا المسلك
[ ص: 336 ] و (
المجرمين ) عام في قوم
نوح وهود وصالح ولوط ، وغيرهم وهو من نظر التفكر ، أو من نظر البصر فيمن بقيت له آثار منازل ومساكن
كثمود وقوم
لوط ، كما قال تعالى (
وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم ) .