صفحة جزء
( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) الأخذ : التناول باليد ومعناه هنا الابتلاء في المدة التي كان أقام بينهم موسى يدعوهم إلى الله ، ومعنى بالسنين : بالقحوط والجدوب ، والسنة تطلق على الحول وتطلق على الجدب ضد الخصب وبهذا المعنى تكون من الأسماء الغالبة كالنجم والدبران ، وقد اشتقوا منها بهذا المعنى فقالوا أسنت القوم إذا أجدبوا ، ومنه قوله :


ورجال مكة مسنتون عجاف

وقال حاتم :


فإنا نهين المال من غير ضنة     ولا يشتكينا في السنين ضريرها



وفي سنين لغتان أشهرهما إعرابها بالواو رفعا والياء جرا ونصبا ، وقد تكلف النحاة علة لكونها جمعت هذا الجمع ، والأخرى جعل الإعراب في النون والتزام الياء في الأحوال الثلاثة ، نقلها أبو زيد والفراء ، وقال الفراء : هي في هذه اللغة مصروفة عند بني عامر ، وغير مصروفة عند غيرهم ، والكلام على ذلك أمعن في كتب النحو ، وكان هذا الجدب سبع سنين ، قال ابن عباس ، وقتادة : أما السنون فكانت لباديتهم ومواشيهم ، وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم وهذه سيرة الله في الأمم يبتليها بالنقم ليزدجروا ويتذكروا بذلك ما كانوا فيه من النعم ، فإن الشدة تجلب الإنابة والخشية ورقة القلب والرجوع إلى طلب لطف الله وإحسانه ، وكذا فعل بقريش حين دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف . وروي أنه يبس لهم كل شيء حتى نيل مصر ، ونقصوا من الثمرات حتى كانت النخلة تحمل الثمرة الواحدة ، ومعنى ( لعلهم يذكرون ) رجاء لتذكرهم وتنبههم على أن ذلك الابتلاء إنما هو لإصرارهم على الكفر وتكذيبهم بآيات الله فيزدجروا .

التالي السابق


الخدمات العلمية