صفحة جزء
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون الضمير في نسوا للمنهيين ، أي : تركوا ما ذكرهم به الصالحون ، وجعل الترك نسيانا مبالغة ; إذ أقوى أحوال الترك أن ينسى المتروك ، وما موصولة بمعنى الذي . قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد به الذكر نفسه ، ويحتمل أن يراد به ما كان في الذكر ، انتهى ، ولا يظهر لي هذان الاحتمالان ، والسوء عام في المعاصي ، وبحسب القصص يختص هنا بصيد الحوت ، والذين ظلموا هم العاصون نبه على العلة في أخذهم ، وهي الظلم . قال مجاهد : بئيس شديد موجع ، وقال الأخفش : مهلك ، وقرأ أهل المدينة نافع وأبو جعفر وشيبة وغيرهما : بيس ، على وزن جيد ، وابن عامر كذلك ، إلا أنه همز كبئر ، ووجهتا على أنه فعل سمي به ، كما جاء : أنهاكم عن قيل وقال ، ويحتمل أن يكون وضع وصفا على وزن فعل ، كحلف ، فلا يكون أصله فعلا ، وخرجه الكسائي على وجه آخر ، وهو أن الأصل بيئس فخفف الهمزة فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوله ، كما يقال : رغيف وشهيد ، وخرجه غيره على أن يكون على وزن فعل فكسر أوله إتباعا ، ثم حذفت الكسرة ، كما قالوا : فخذ ، ثم خففوا الهمزة ، وقرأ الحسن : بئيس بهمز وبغير همز عن نافع وأبي بكر مثله ، إلا أنه بغير همز عن نافع ، كما تقول بيس الرجل ، وضعفها أبو حاتم ، وقال : لا وجه لها ، قال : لأنه لا يقال : مررت برجل بيس حتى يقال : بيس الرجل ، أو بيس رجلا ، قال النحاس : هذا مردود من كلام أبي حاتم ، حكى النحويون إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت ، يريدون : ونعمت الخصلة ، والتقدير : بيس العذاب ، وقرئ بئس على وزن شهد ، حكاها يعقوب القارئ وعزاها أبو الفضل الرازي إلى عيسى وزيد بن علي .

وقرأ جرية بن عائد ونصر بن عاصم في رواية : بأس ، على وزن ضرب ، فعلا ماضيا ، وعن الأعمش ومالك بن دينار : بأس أصله بأس ، فسكن الهمزة ، جعله فعلا لا يتصرف ، [ ص: 413 ] وقرأت فرقة : بيس ، بفتح الباء والياء والسين ، وحكى الزهراوي عن ابن كثير وأهل مكة : بئس ، بكسر الباء والهمز همزا خفيفا ولم يبين هل الهمزة مكسورة أو ساكنة ، وقرأت فرقة باس ، بفتح الباء وسكون الألف . وقرأ خارجة عن نافع وطلحة : ( بيس ) ، على وزن كيل لفظا ، وكان أصله : فيعل ، مهموزا إلا أنه خفف الهمزة بإبدالها ياء وأدغم ثم حذف كميت ، وقرأ نصر في رواية مالك بن دينار عنه : ( بأس ) ، على وزن جبل ، وأبو عبد الرحمن بن مصرف : بئس ، على وزن كبد وحذر ، وقال أبو عبد الله بن قيس الرقيات :


ليتني ألقى رقية في خلوة من غير ما بئس

وقرأ ابن عباس وأبو بكر عن عاصم والأعمش : ( بيأس ) على وزن ضيغم ، وقال امرؤ القيس بن عابس الكندي :


كلاهما كان رئيسا بيأسا     يضرب في يوم الهياج القونسا

وقرأ عيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنه : بيئس على وزن صيقل ، اسم امرأة ، بكسر الهمزة وبكسر القاف وهما شاذان لأنه بناء مختص بالمعتل كسيد وميت ، وقرأ نصر بن عاصم في رواية : بيس ، على وزن ميت وخرج على أنه من البؤس ، ولا أصل له في الهمز ، وخرج أيضا على أنه خفف الهمزة بإبدالها ياء ، ثم أدغمت ، وعنه أيضا بئس بقلب الياء همزة وإدغامها في الهمزة ، ورويت هذه عن الأعمش ، وقرأت فرقة : بأس ، بفتح الثلاثة والهمزة مشددة ، وقرأ باقي السبعة ونافع وفي رواية أبي قرة وعاصم في رواية حفص وأبو عبد الرحمن ومجاهد والأعرج والأعمش في رواية وأهل الحجاز : بئيس على وزن رئيس ، وخرج على أنه وصف على وزن فعيل للمبالغة من بائس على وزن فاعل ، وهي قراءة أبي رجاء عن علي ، أو على أنه مصدر وصف به كالنكير والقدير ، وقال أبو الإصبع العدواني :


حنقا علي ولا أرى     لي منهما شرا بئيسا

وقرأ أهل مكة كذلك ، إلا أنهم كسروا الباء ، وهي لغة تميم في فعيل حلقي العين يكسرون أوله ، وسواء كان اسما أم صفة ، وقرأ الحسن والأعمش فيما زعم عصمة بئيس ، على وزن طريم وحزيم ، فهذه اثنتان وعشرون قراءة وضبطها بالتلخيص أنها قرئت ثلاثية اللفظ ورباعيته ، فالثلاثي اسما بئس وبيس وبيس وبأس وبأس وبيس ، وفعلا بيس وبئس وبئس وبأس وبأس وبئس ، والرباعية اسما بيأس وبيئس وبيئس وبيس وبييس وبئيس وبائس وفعلا باءس .

التالي السابق


الخدمات العلمية