أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين قال الحسن وقتادة : سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد ليلا على الصفا ، فجعل يدعو قبائل قريش : يا بني فلان ، يا بني فلان ، يحذرهم ويدعوهم إلى الله تعالى ، فقال بعض الكفار حين أصبحوا : هذا مجنون بات يصوت حتى الصباح ، وكانوا يقولون : شاعر مجنون ، فنفى الله عز وجل عنه ما قالوه ، ثم أخبر أنه محذر من عذاب الله ، والآية باعثة لهم على التفكر في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتفاء الجنة عنه ، وهذا الاستفهام قيل : معناه التوبيخ ; وقيل : التحريض على التأمل ، والجنة كما قال تعالى :
من الجنة والناس ، والمعنى : من مس جنة ، أو تخبيط جنة ; وقيل : هي هيئة كالجلسة والركبة أريد بها المصدر ، أي : ما بصاحبهم من جنون ، والظاهر أن يتفكروا ، معلق عن الجملة المنفية ، وهي في موضع نصب بيتفكروا بعد إسقاط حرف الجر ; لأن التفكر من أعمال القلوب ، فيجوز تعليقه ، والمعنى : أولم يتأملوا ويتدبروا في انتفاء هذا الوصف عن
[ ص: 432 ] الرسول ، فإنه منتف لا محالة ، ولا يمكن لمن أنعم الفكر في نسبة ذلك إليه ; وقيل : ثم مضمر محذوف ، أي : فيعلموا ما بصاحبهم من جنة ، قاله
الحوفي ، وزعم أن ( تفكروا ) لا تعلق ؛ لأنه لا يدخل على الجمل ، قال : ودل التفكر على العلم ، وقال أصحابنا : إذا كان فعل القلب يتعدى بحرف جر قدرت الجملة في موضع جر بعد إسقاط حرف الجر ، ومن هم من زعم أنه يضمن الفعل الذي تعدى بنفسه إلى واحد ، أو بحرف جر إلى واحد معنى ما يتعدى إلى اثنين فتكون الجملة في موضع المفعولين ، فعلى هذين الوجهين لا حاجة إلى هذا المضمر الذي قدره الحوفي ; وقيل : تم الكلام على قوله : يتفكروا ، ثم استأنف إخبارا بانتفاء الجنة وإثبات النذارة ، وقال
أبو البقاء : في ما وجهان ، أحدهما : أنها باقية ، وفي الكلام حذف ، تقديره : أولم يتفكروا في قولهم به جنة ، والثاني أنها استفهام ، أي : أولم يتفكروا أي شيء بصاحبهم من الجنون مع انتظام أقواله وأفعاله ؟ وقيل : هي بمعنى الذي ، تقديره : أولم يتفكروا في ما بصاحبهم ، وعلى هذا يكون الكلام خرج على زعمهم ، انتهى ، وهي تخريجات ضعيفة ينبغي أن ينزه القرآن عنها ، وتفكر مما ثبت في اللسان تعليقه فلا ينبغي أن يعدل عنه .