صفحة جزء
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون قرئ : وجلت ، بفتح الجيم ، وهي لغة ، وقرأ ابن مسعود : فرقت ، وقرأ أبي : فزعت ، وينبغي أن تحمل هاتان القراءتان على التفسير ، ولما كان معنى : إن كنتم مؤمنين ، قال : إنما المؤمنون ، أي : الكاملو الإيمان ، ثم أخبر عنهم بموصول وصل بثلاث مقامات عظيمة : مقام الخوف ، ومقام زيادة الإيمان ، ومقام التوكل ، ويحتمل قوله : إذا ذكر الله إن يذكر اسمه ويلفظ به تفزع قلوبهم لذكره استعظاما له وتهيبا وإجلالا ، ويكون هذا الذكر مخالفا للذكر في قوله : ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ; لأن ذكر الله هناك رأفته ورحمته وثوابه ، ويحتمل أن يكون ذكر الله على حذف مضاف ، أي : ذكرت عظمة الله وقدرته وما خوف به من عصاه ، قاله الزجاج ، وقال السدي : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيفزع عنها ، وفي الحديث في السبع الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله : ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ، فقال : إني أخاف الله ، ومعنى زادتهم إيمانا ، أي : يقينا وتثبيتا ; لأن تظاهر الأدلة وتظافرها أقوى على الطمأنينة المدلول عليه وأرسخ لقدمه . وقيل : المعنى أنه إذا كان لم يسمع حكما من أحكام القرآن منزل للنبي [ ص: 458 ] صلى الله عليه وسلم فآمن به زاد إيمانا إلى سائر ما قد آمن به ; إذ لكل حكم تصديق خاص ، ولهذا قال مجاهد : عبر بزيادة الإيمان عن زيادة العلم وأحكامه . وقيل : زيادة الإيمان كناية عن زيادة العمل ، وعن عمر بن عبد العزيز أن للإيمان سنة وفرائض وشرائع ، فمن استكملها استكمل الإيمان ; وقيل : هذا في الظالم يوعظ فيقال له : اتق الله ، فيقلع فيزيده ذلك إيمانا ، والظاهر أن قوله : وعلى ربهم يتوكلون داخل في صلة الذين كما قلنا قبل ; وقيل : هو مستأنف وترتيب هذه المقامات أحسن ترتيب ، فبدأ بمقام الخوف إما خوف الإجلال والهيبة ، وإما خوف العقاب ، ثم ثانيا : بالإيمان بالتكاليف الواردة ، ثم ثالثا : بالتفويض إلى الله والانقطاع إليه ورخص ما سواه .

الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون الأحسن أن يكون : ( الذين ) صفة للذين السابقة حتى تدخل في حيز الجزئية ، فيكون ذلك إخبارا عن المؤمنين بثلاث : الصفة القلبية ، وعنهم بالصفة البدنية ، والصفة المالية ، وجمع أفعال القلوب لأنها أشرف ، وجمع في أفعال الجوارح بين الصلاة والصدقة ; لأنهما عمودا أفعال ، وأجاز الحوفي والتبريزي أن يكون : ( الذين ) بدلا من الذين ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين ، والظاهر أن قوله : ومما رزقناهم ينفقون عام في الزكاة ونوافل الصدقات وصلات الرحم وغير ذلك من المبار المالية ، وقد خص ذلك جماعة من المفسرين بالزكاة لاقترانها بالصلاة .

أولئك هم المؤمنون حقا قال ابن عطية : حقا مصدر مؤكد ، كذا نص عليه سيبويه ، وهو المصدر غير المنتقل والعامل فيه أحق ذلك حقا ، انتهى ، ومعنى ذلك أنه تأكيد لما تضمنته الجملة من الإسناد الخبري ، وأنه لا مجاز في ذلك الإسناد . وقال الزمخشري : حقا صفة للمصدر المحذوف ، أي : أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا ، وهو مصدر مؤكد للجملة التي هي أولئك هم المؤمنون ، كقوله : هو عبد الله حقا ، أي : حق ذلك حقا . وعن الحسن أنه سأله رجل : أمؤمن أنت ؟ قال : الإيمان إيمانان ، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب ، فأنا مؤمن ، وإن كنت تسألني عن قوله : إنما المؤمنون فوالله لا أدري أمنهم أنا أم لا ، وأبعد من زعم أن الكلام تم عند قوله : أولئك هم المؤمنون ، وأن حقا متعلق بما بعده ، أي : حقا لهم درجات ، وهذا لأن انتصاب حقا على هذا التقدير يكون عن تمام جملة الابتداء بمكان التأخير عنها ; لأنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة فلا يجوز تقديمه ، وقد أجازه بعضهم ، وهو ضعيف .

لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم لما تقدمت ثلاث صفات : قلبية وبدنية ومالية ، ترتب عليها ثلاثة أشياء ، فقوبلت الأعمال القلبية بالدرجات ، والبدنية بالغفران ، وفي الحديث أن رجلا أتى من امرأة أجنبية ما يأتيه الرجل من أهله غير الوطء ، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبر بذلك : أصليت معنا ؟ فقال نعم ، فقال له : غفر الله لك ، وقوبلت المالية بالرزق بالكريم ، وهذا النوع من المقابلة من بديع علم البيان . وقال ابن عطية والجمهور : إن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجاتها على قدر أعمالهم ، وحكى الطبري عن مجاهد أنها درجات أعمال الدنيا ، وقوله : ورزق كريم يريد به مآكل الجنة ومشاربها ، وكريم صفة تقتضي رفع المقام ، كقوله : ثوب كريم وحسب كريم ، وقال الزمخشري : درجات شرف وكرامة ، وعلو منزلة ومغفرة ، وتجاوز لسيئاتهم ، ورزق كريم ، ونعيم الجنة يعني منافع حسنة دائمة على سبيل التعظيم ، وهذا معنى الثواب ، انتهى . وقال عطاء : درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم ، وقال الربيع بن أنس : سبعون درجة ما بين كل درجتين حصن الفرس [ ص: 459 ] المضمر سبعين سنة ; وقيل : مراتب ، ومنازل في الجنة بعضها على بعض ، وفي الحديث أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما يتراءى الكوكب الدري ، وثلاثة الأقوال هذه تدل على أنه أريد الدرجات حقيقة ، وعن مجاهد درجات أعمال رفيعة .

كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون اضطرب المفسرون في قوله : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق واختلفوا على خمسة عشر قولا . أحدها : أن الكاف بمعنى واو القسم وما بمعنى الذي واقعة على ذي العلم ، وهو الله ، كما وقعت في قوله : وما خلق الذكر والأنثى وجواب القسم يجادلونك ، والتقدير : والله الذي أخرجك من بيتك يجادلونك في الحق ، قاله أبو عبيدة وكان ضعيفا في علم النحو ، وقال الكرماني : هذا سهو ، وقال [ ص: 460 ] ابن الأنباري : الكاف ليست من حروف القسم ، انتهى . وفيه أيضا أن جواب القسم بالمضارع المثبت جاء بغير لام ولا نون توكيد ، ولا بد منهما في مثل هذا على مذهب البصريين ، أو من معاقبة أحدهما الآخر على مذهب الكوفيين ، أما خلوه عنهما أو أحدهما ، فهو قول مخالف لما أجمع عليه الكوفيون والبصريون ، القول الثاني : أن الكاف بمعنى إذ وما زائدة ، تقديره : اذكر إذ أخرجك ، وهذا ضعيف ; لأنه لم يثبت أن الكاف تكون بمعنى إذ في لسان العرب ، ولم يثبت أن ما تزاد بعد هذا غير الشرطية ، وكذلك لا تزاد ما ادعي أنه بمعناها ، القول الثالث : الكاف بمعنى على وما بمعنى الذي ، تقديره : امض على الذي أخرجك ربك من بيتك ، وهذا ضعيف ; لأنه لم يثبت أن الكاف تكون بمعنى على ، ولأنه يحتاج الموصول إلى عائد ، وهو لا يجوز أن يحذف في مثل هذا التركيب ، القول الرابع : قال عكرمة : التقدير : وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ، كما أخرجك في الطاعة خير لكم ، كما كان إخراجك خيرا لهم ، القول الخامس : قال الكسائي وغيره ، كما أخرجك ربك من بيتك على كراهة من فريق منهم ، كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ، ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك [ ص: 461 ] إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون ، قال ابن عطية : والتقدير على هذا التأويل : يجادلونك في الحق مجادلة لكراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك ، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهة ، وكذا وقع التشبيه في المعنى ، وقائل هذه المقالة يقول : إن المجادلين هم المشركون ، القول السادس : قال الفراء : التقدير امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت إن كرهوا كما أخرجك ربك ، انتهى . قال ابن عطية : والعبارة بقوله : امض لأمرك ونفل من شئت غير محررة ، وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال : هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال ، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم فكانت هذه الخيرة ، كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه الله من بيته ، فكانت في ذلك الخيرة وتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم هاهنا الخروج ، وحكم الله في النفل بأنه لله والرسول ، فهو بمثابة إخراجه نبيه من بيته ، ثم كانت الخيرة في القصتين مما صنع الله ، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله : يجادلونك كلاما مستأنفا يراد به الكفار ، أي : يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق [ ص: 462 ] فيها ، كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان ، وهذا الذي ذكرت من أن يجادلونك في الكفار منصوص ، قال ابن عطية : فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن وصف اللفظ ، انتهى . ونعني بالقولين قول الفراء وقول الكسائي ، وقد كثر الكلام في هاتين المقالتين ، ولا يظهران ، ولا يلتئمان من حيث دلالة العاطف ، القول السابع : قال الأخفش : الكاف نعت لحقا ، والتقدير : هم المؤمنون حقا كما أخرجك ، قال ابن عطية : والمعنى على هذا التأويل كما زاد لا يتناسق ، القول الثامن أن الكاف في موضع رفع ، والتقدير : كما أخرجك ربك فاتقوا الله ، كأنه ابتداء وخبر . قال ابن عطية : وهذا المعنى وضعه هذا المفسر ، وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر ، القول التاسع : قال الزجاج : الكاف في موضع نصب ، والتقدير : الأنفال ثابتة لله ثباتا ، كما أخرجك ربك ، وهذا الفعل أخذه الزمخشري وحسنه . فقال ينتصب على أنه صفة مصدر للفعل المقدر في قوله : الأنفال لله والرسول ، أي : الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتا ، مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون ، انتهى ، وهذا فيه بعد لكثرة الفصل بين المشبه والمشبه به ، ولا يظهر كبير معنى لتشبيه هذا بهذا ، بل لو كانا متقاربين لم يظهر للتشبيه كبير فائدة ، القول العاشر : أن الكاف في موضع رفع ، والتقدير : لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم هذا وعد حق كما أخرجك ، وهذا في حذف مبتدأ وخبر ، ولو صرح بذلك لم يلتئم التشبيه ولم يحسن ، القول الحادي عشر : أن الكاف في موضع رفع أيضا ، والمعنى : وأصلحوا ذات بينكم ذلكم خير لكم كما أخرجك ، فالكاف نعت لخبر ابتداء محذوف ، وهذا أيضا فيه حذف وطول ، فصل بين قوله : وأصلحوا وبين كما أخرجك ، القول الثاني عشر : أنه شبه كراهية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجه من المدينة حين تحققوا خروج قريش للدفع عن أبي سفيان وحفظ غيره بكراهيتهم نزع الغنائم من أيديهم وجعلها للرسول ، أو التنفيل منها ، وهذا القول أخذه الزمخشري وحسنه ، فقال : يرتفع محل الكاف على أنه خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هذا الحال كحال إخراجك ، يعني أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل القراءة ، مثل حالهم في كراهة خروجهم للحرب ، وهذا النهي قاله هذا القائل ، وحسنه الزمخشري ، هو ما فسر به ابن عطية قول الفراء بقوله : هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال إلى آخر كلامه ، القول الثالث عشر أن المعنى : قسمتك للغنائم حق كما كان خروجك حقا ; القول الرابع عشر : أن التشبيه وقع بين إخراجين ، أي : إخراجك ربك إياك من بيتك ، وهو مكة وأنت كاره لخروجك ، وكانت عاقبة ذلك الخير والنصر والظفر كإخراج ربك إياك من المدينة ، وبعض المؤمنين كاره يكون عقيب ذلك الظفر والنصر ، القول الخامس عشر : الكاف للتشبيه على سبيل المجاز ، كقول القائل لعبده : كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقويتك وأزحت عللك فخذهم الآن فعاقبهم بكذا ، وكما كسوتك وأجريت عليك الرزق فاعمل كذا ، وكما أحسنت إليك ما شكرتني عليه ، فتقدير الآية : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، وغشاكم النعاس أمنة منه ، يعني به إياه ومن معه ، وأنزل من السماء ماء ليطهركم به ، وأنزل عليكم من السماء ملائكة مردفين فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ، كأنه يقول قد أزحت عللكم وأمددتكم بالملائكة ، فاضربوا منهم هذه المواضع ، وهو القتل لتبلغوا مراد الله في إحقاق الحق وإبطال الباطل ، وملخص هذا القول الطويل أن : كما أخرجك يتعلق بقوله : فاضربوا ، وفيه من الفصل والبعد ما لا خفاء به ، وقد انتهى ذكر هذه الأقوال الخمسة عشر التي وقفنا عليها .

ومن دفع إلى [ ص: 463 ] حوك الكلام وتقلب في إنشاء أفانينه وزاول الفصاحة والبلاغة لم يستحسن شيئا من هذه الأقوال ، وإن كان بعض قائلها له إمامة في علم النحو ورسوخ قدم ، لكنه لم يحتط بلفظ الكلام ، ولم يكن في طبعه صوغه أحسن صوغ ، ولا التصرف في النظر فيه من حيث الفصاحة وما به يظهر الإعجاز . وقبل تسطير هذه الأقوال هنا وقعت على جملة منها فلم يلق لخاطري منها شيء ، فرأيت في النوم أنني أمشي في رصيف ومعي رجل أباحثه في قوله : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فقلت له : ما مر بي شيء مشكل مثل هذا ، ولعل ثم محذوفا يصح به المعنى ، وما وقفت فيه لأحد من المفسرين على شيء طائل ، ثم قلت له : ظهر لي الساعة تخريجه ، وإن ذلك المحذوف هو : نصرك ، واستحسنت أنا وذلك الرجل هذا التخريج ، ثم انتبهت من النوم وأنا أذكره ، والتقدير : فكأنه قيل : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، أي : بسبب إظهار دين الله وإعزاز شريعته وقد كرهوا خروجك تهيبا للقتال وخوفا من الموت ; إذ كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لخروجهم بغتة ، ولم يكونوا مستعدين للخروج وجادلوك في الحق بعد وضوحه نصرك الله وأمدك بملائكته ودل على هذا المحذوف الكلام الذي بعده ، وهو قوله تعالى : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم الآيات ، ويظهر أن الكاف في هذا التخريج المنامي ليست لمحض التشبيه بل فيها معنى التعليل ، وقد نص النحويون على أنها قد تحدث فيها معنى التعليل وخرجوا عليه قوله تعالى : واذكروه كما هداكم وأنشدوا :


لا تشتم الناس كما لا تشتم

أي لانتفاء أن يشتمك الناس لا تشتمهم ، ومن الكلام الشائع على هذا المعنى ، كما تطيع الله يدخلك الجنة ، أي : لأجل طاعتك الله يدخلك الجنة ، فكان المعنى : إن خرجت لإعزاز دين الله وقتل أعدائه نصرك الله وأمدك بالملائكة ، والواو في وإن فريقا واو الحال ، والظاهر أن من بيتك هو مقام سكناه ; وقيل : المدينة ; لأنها مهاجره ومختصة به ; وقيل : مكة ، وفيه بعد ؛ لأن الظاهر أن هذا إخبار عن خروجه إلى بدر ، فصرفه إلى الخروج من مكة ليس بظاهر ، ومفعول لكارهون هو الخروج ، أي : لكارهون الخروج معك ، وكراهتهم ذلك إما لنفرة الطبع ، أو لأنهم لم يستنفروا ، أو العدول من العير إلى النفير لما في ذلك من قوة أخذ الأموال ، ولما في هذا من القتل والقتال ، أو لترك مكة وديارهم وأموالهم ، أقوال أربعة : والظاهر أن ضمير الرفع في يجادلونك عائد على فريق المؤمنين الكارهين ، وجدالهم قولهم : ما كان خروجنا إلا للعير ولو عرفنا لاستعددنا للقتال ، والحق هنا نصرة دين الإسلام ; وقيل : الضمير يعود على المشركين ، وجدالهم في الحق هو في شريعة الإسلام . وقرأ عبد الله : بعد ما بين ، بضم الباء من غير تاء ، وفي قوله : بعد ما تبين إنكار عظيم عليهم ; لأن من جادل في شيء لم يتضح كان أخف عتبا ، أما من نازع في أمر واضح ، فهو جدير باللوم والإنكار ، ثم شبه حالهم في فرط فزعهم ، وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يساق على الصفا إلى الموت ، وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها ; وقيل : كان خوفهم لقلة العدد وأنهم كانوا رجالة ، وروي أنه ما كان فيهم إلا فارسان ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وكان المشركون في نحو ألف رجل ، وقصة بدر هذه مستوعبة في كتاب السير ، وقد لخص منها الزمخشري وابن عطية ما يوقف عليه في كتابيهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية