قوله تعالى :
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من عمل صالحا وأحسن في عمله أنه جل وعلا لا يضيع أجره ، أي : جزاء عمله : بل يجازى بعمله الحسن الجزاء الأوفى .
وبين هذا المعنى في آيات كثيرة جدا ، كقوله تعالى :
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى [ 3 \ 195 ] ، وقولـه تعالى :
يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين [ 3 \ 171 ] ، وقولـه :
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان [ 55 \ 60 ] ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جدا . وفي هذا المعنى سؤالان معروفان عند العلماء :
الأول : أن يقال أين خبر " إن " في قوله تعالى
إن الذين آمنوا [ 8 \ 30 ] ؟ فإذا قيل : خبرها جملة
إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا [ 18 \ 30 ] توجه السؤال .
الثاني : وهو أن يقال : أين رابط الجملة الخبرية بالمبتدأ الذي هو اسم " إن " ؟ .
اعلم أن خبر " إن " في قوله :
إن الذين آمنوا ، قيل : هو جملة
أولئك لهم جنات عدن ، وعليه فقوله :
إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا جملة اعتراضية . وعلى هذا فالرابط موجود ولا إشكال فيه . وقيل : " إن " الثانية واسمها وخبرها ، كل ذلك خبر " إن " الأولى . ونظير الآية من القرآن في الإخبار عن " إن " بـ " إن " وخبرها واسمها قوله تعالى في سورة " الحج " :
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة الآية [ 22 \ 17 ] ، وقول الشاعر :
إن الخليفة إن الله ألبسه سربال ملك به ترجى الخواتيم
على أظهر الوجهين في خبر " إن " الأولى في البيت ، وعلى هذا فالجواب عن السؤال
[ ص: 272 ] الثاني من وجهين :
الأول : أن الضمير الرابط محذوف ، تقديره : لا نضيع أجر من أحسن منهم عملا ; كقولهم : السمن منوان بدرهم ، أي : منوان منه بدرهم ، كما تقدم في قوله تعالى :
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن الآية [ 2 \ 234 ] ، أي : يتربصن بعدهم .
الوجه الثاني : أن
من أحسن عملا ، هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وإذا كان الذين آمنوا ، ومن أحسن عملا ينظمها معنى واحد قام ذلك مقام الربط بالضمير ، وهذا هو مذهب
الأخفش ، وهو الصواب ; لأن الربط حاصل بالاتحاد في المعنى .