قوله تعالى :
ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن هذا الرجل الكافر الظالم لنفسه ، الذي ضربه مثلا مع الرجل المؤمن في هذه الآيات لرؤساء الكفار ، الذين افتخروا بالمال والجاه على ضعفاء المسلمين الفقراء كما تقدم أنه دخل جنته في حال كونه ظالما لنفسه ، وقال : إنه ما يظن أن تهلك جنته ولا تفنى : لما رأى من حسنها ونضارتها ؟ وقال : إنه لا يظن الساعة قائمة ، وإنه إن قدر أنه يبعث ويرد إلى ربه ليجدن عنده خيرا من الجنة التي أعطاه في الدنيا .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة : من
جهل الكفار واغترارهم بمتاع الحياة الدنيا ، وظنهم أن الآخرة كالدنيا ينعم عليهم فيها أيضا بالمال والولد ، كما أنعم عليهم في الدنيا جاء مبينا في آيات أخر ، كقوله في " فصلت " :
ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى [ 41 \ 50 ] ، وقولـه في " مريم " :
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا [ 19 \ 77 ] ، وقولـه في " سبأ " :
وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين [ 34 \ 35 ] ، وقولـه في هذه السورة الكريمة :
فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا [ 18 \ 34 ] .
وبين جل وعلا كذبهم واغترارهم فيما ادعوه : من أنهم يجدون نعمة الله في الآخرة
[ ص: 274 ] كما أنعم عليهم بها في الدنيا في مواضع كثيرة ، كقوله :
أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون [ 23 \ 55 - 56 ] ، وقولـه :
سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين [ 68 \ 44 - 45 ] ، وقولـه :
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين [ 3 \ 178 ] ، وقولـه :
وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى الآية [ 34 \ 37 ] ، وقولـه تعالى :
ما أغنى عنه ماله وما كسب [ 111 \ 2 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقولـه : منقلبا ، أي : مرجعا وعاقبة ، وانتصابه على التمييز ، وقولـه :
لأجدن خيرا منها ، قرأه
ابن عامر ونافع وابن كثير " منهما " بصيغة تثنية الضمير ، وقرأه الباقون " منها " بصيغة إفراد هاء الغائبة ، فالضمير على قراءة تثنيته راجع إلى الجنتين في قوله :
جعلنا لأحدهما جنتين [ 18 \ 32 ] ، وقولـه :
كلتا الجنتين ، وعلى قراءة الإفراد راجع إلى الجنة في قوله :
ودخل جنته . . الآية [ 18 \ 35 ] .
فإن قيل :
ما وجه إفراد الجنة مع أنهما جنتان ؟ فالجواب : أنه قال ما ذكره الله عنه حين دخل إحداهما ، إذ لا يمكن دخوله فيهما معا في وقت واحد ، وما أجاب به
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري عن هذا السؤال ظاهر السقوط ، كما نبه عليه
أبو حيان في البحر .