قوله تعالى :
وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ،
يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا .
معنى قوله :
خفت الموالي [ 19 \ 5 ] ، أي : خفت أقاربي وبني عمي وعصبتي : أن يضيعوا الدين بعدي ، ولا يقوموا لله بدينه حق القيام ، فارزقني ولدا يقوم بعدي بالدين حق القيام ، وبهذا التفسير تعلم أن معنى قوله "
يرثني " أنه إرث علم ونبوة ، ودعوة إلى الله والقيام بدينه ، لا إرث مال ، ويدل لذلك أمران :
أحدهما : قوله :
ويرث من آل يعقوب [ 19 \ 5 ] ، ومعلوم أن
آل يعقوب انقرضوا من زمان ، فلا يورث عنهم إلا العلم والنبوة والدين .
والأمر الثاني : ما جاء من الأدلة على أن
الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يورث عنهم المال ، وإنما يورث عنهم العلم والدين ، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008156لا نورث ، ما تركنا صدقة " ، ومن ذلك أيضا ما رواه الشيخان أيضا عن
عمر رضي الله عنه أنه قال
لعثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ،
والزبير وسعد ،
وعلي ،
والعباس رضي الله عنهم : أنشدكم الله
[ ص: 362 ] الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008156لا نورث ما تركنا صدقة " ، قالوا : نعم ، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان أيضا عن
عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أردن أن يبعثن
عثمان إلى
أبي بكر يسألنه ميراثهن ، فقالت
عائشة : أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008157ما تركنا صدقة " ، ومن ذلك ما رواه الشيخان أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008158لا تقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة " وفي لفظ عند
أحمد : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008159لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما " ، ومن ذلك أيضا ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وصححه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن
فاطمة رضي الله عنها قالت
لأبي بكر رضي الله عنه : من يرثك إذا مت ؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فما لنا لا نرث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008160إن النبي لا يورث " ، ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله ، وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق .
فهذه الأحاديث وأمثالها ظاهرة في أن
الأنبياء لا يورث عنهم المال بل العلم والدين ، فإن قيل : هذا مختص به صلى الله عليه وسلم ; لأن قوله "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008161لا نورث " يعني به نفسه ، كما قال
عمر رضي الله عنه في الحديث الصحيح المشار إليه عنه آنفا : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008161نورث ما تركنا صدقة " يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ، فقال الرهط : قد قال ذلك الحديث ، ففي هذا الحديث الصحيح أن
عمر قال : إن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008161لا نورث " نفسه ، وصدقه الجماعة المذكورون في ذلك ، وهذا دليل على الخصوص فلا مانع إذن من كون الموروث عن
زكريا في الآية التي نحن بصددها هو المال ؟ فالجواب من أوجه :
الأول : أن ظاهر صيغة الجمع شمول جميع الأنبياء ، فلا يجوز العدول عن هذا الظاهر إلا بدليل من كتاب أو سنة ، وقول
عمر لا يصح تخصيص نص من السنة به ; لأن النصوص لا يصح تخصيصها بأقوال الصحابة على التحقيق كما هو مقرر في الأصول .
الوجه الثاني : أن قول
عمر " يريد صلى الله عليه وسلم نفسه " لا ينافي شمول الحكم لغيره من الأنبياء ، لاحتمال أن يكون قصده يريد أنه هو صلى الله عليه وسلم يعني نفسه فإنه لا يورث ، ولم يقل
عمر إن اللفظ لم يشمل غيره ، وكونه يعني نفسه لا ينافي أن غيره من الأنبياء لا يورث أيضا .
الوجه الثالث : ما جاء من الأحاديث صريحا في عموم عدم الإرث المالي في جميع الأنبياء ، وسنذكر طرفا من ذلك هنا إن شاء الله تعالى .
قال ابن حجر في فتح الباري ما نصه : وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول
[ ص: 363 ] وغيرهم بلفظ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008162نحن معاشر الأنبياء لا نورث " فقد أنكره جماعة من الأئمة ، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ " نحن " لكن أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة عن
أبي الزناد بلفظ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007162إنا معاشر الأنبياء لا نورث . " الحديث ، وأخرجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=17029محمد بن منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة عنه ، وهو كذلك في مسند
الحميدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، وهو من أتقن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فيه ، وأورده
nindex.php?page=showalam&ids=14559الهيثم بن كليب في مسنده من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق باللفظ المذكور ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط بنحو اللفظ المذكور ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل من رواية
أم هانئ عن
فاطمة رضي الله عنها ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق بلفظ "
إن الأنبياء لا يورثون " انتهى محل الغرض من كلام
ابن حجر ، وقد رأيت فيه هذه الطرق التي فيها التصريح بعموم الأنبياء ، وقد قال
ابن حجر : إن إنكار الحديث المذكور غير مسلم إلا بالنسبة لخصوص لفظ " نحن " وهذه الروايات التي أشار لها يشد بعضها ، وقد تقرر في الأصول أن البيان يصح بكل ما يزيل الإشكال ولو قرينة أو غيرها كما قدمناه موضحا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ، وعليه فهذه الأحاديث التي ذكرنا تبين أن المقصود من قوله في الحديث المتفق عليه " لا نورث " أنه يعني نفسه ، كما قال
عمر وجميع الأنبياء كما دلت عليه الروايات المذكورة ، والبيان إرشاد ودلالة يصح بكل شيء يزيل اللبس عن النص من نص أو فعل أو قرينة أو غير ذلك ، قال في مراقي السعود في تعريف البيان وما به البيان : .
تصيير مشكل من الجلي وهو واجب على النبي إذا أريد فهمه وهو بما من الدليل مطلقا يجلو العما وبهذا الذي قررنا تعلم : أن قوله هنا
يرثني ويرث من آل يعقوب ، يعني وراثة العلم والدين لا المال ، وكذلك قوله :
وورث سليمان داود الآية [ 27 \ 16 ] ، فتلك الوراثة أيضا وراثة علم ودين ، والوراثة قد تطلق في الكتاب والسنة على وراثة العلم والدين ، كقوله تعالى :
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا الآية [ 35 \ 32 ] ، وقولـه :
وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب [ 42 \ 14 ] ، وقولـه :
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب الآية [ 7 \ 169 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
ومن السنة الواردة في ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008163العلماء ورثة الأنبياء " ، وهو في المسند والسنن ، قال صاحب ) تمييز الطيب من
[ ص: 364 ] الخبيث ، فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث ( : رواه
أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وآخرون عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء مرفوعا بزيادة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008164إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، وإنما ورثوا العلم " وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان والحاكم وغيرهما انتهى منه بلفظه ، وقال صاحب ) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ( : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008163العلماء ورثة الأنبياء " رواه
أحمد والأربعة وآخرون عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء مرفوعا بزيادة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008164إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم . " الحديث ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان والحاكم وغيرهما ، وحسنه
حمزة الكناني وضعفه غيرهم لاضطراب سنده لكن له شواهد ، ولذا قال
الحافظ : له طرق يعرف بها أن للحديث أصلا ، ورواه
الديلمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب بلفظ الترجمة ا هـ محل الغرض منه ، والظاهر صلاحية هذا الحديث للاحتجاج لاعتضاد بعض طرقه ببعض ، فإذا علمت ما ذكرنا من دلالة هذه الأدلة على أن الوراثة المذكورة في الآية وراثة علم ودين لا وراثة مال فاعلم أن للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال : الأول : هو ما ذكرنا ، والثاني : أنها وراثة مال ، والثالث : أنها وبالنسبة لآل يعقوب في قوله "
ويرث من آل يعقوب " وراثة علم ودين .
وهذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري ، وقد ذكر من قال : إن وراثته
لزكريا وراثة مال حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008165رحم الله زكريا ما كان عليه من ورثته " أي : ما يضره إرث ورثته لماله ، ومعلوم أن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والأرجح فيما يظهر لنا هو ما ذكرنا من أنها وراثة علم ودين ; للأدلة التي ذكرنا وغيرها مما يدل على ذلك ، وقد ذكر
ابن كثير في تفسيره هنا ما يؤيد ذلك من أوجه ، قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى :
وإني خفت الموالي من ورائي [ 19 \ 5 ] ، وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده ; ليسوسهم بنبوته بما يوحى إليه فأجيب في ذلك ; لا أنه خشي من وراثتهم له ماله ; فإن النبي أعظم منزلة ، وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده ، وأن يأنف من وراثة عصباته له ، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم وهذا وجه .
الثاني : أنه لم يذكر أنه كان ذا مال ; بل كان نجارا يأكل من كسب يديه ، ومثل هذا لا يجمع مالا ، ولا سيما الأنبياء ، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا .
الثالث : أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008161لا نورث ما تركنا صدقة " وفي رواية عند
الترمذي بإسناد صحيح "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008166نحن معشر الأنبياء لا نورث " وعلى هذا فتعين حمل قوله :
فهب لي من لدنك وليا يرثني [ 19 \ 6 ] ،
[ ص: 365 ] على ميراث النبوة ، ولهذا قال
ويرث من آل يعقوب ; كقوله :
وورث سليمان داود [ 27 \ 16 ] ، أي : في النبوة ، إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل : أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008162نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " ا هـ محل الغرض من كلام
ابن كثير ، ثم ساق بعد هذا طرق الحديث الذي أشرنا له "
يرحم الله زكريا وما كان عليه من ورثة ماله " الحديث ، ثم قال في أسانيده : وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح .
واعلم أن لفظ "
نحن معاشر الأنبياء " ولفظ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008169إنا معاشر الأنبياء " مؤداهما واحد ، إلا أن " إن " دخلت على " نحن " فأبدلت لفظة " نحن " التي هي المبتدأ بلفظة " نا " الصالحة للنصب ، والجملة هي هي إلا أنها في أحد اللفظين أكدت بـ " إن " كما لا يخفى ، وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة :
فهب لي من لدنك وليا ، يعني بهذا الولي الولد خاصة دون غيره من الأولياء ، بدليل قوله تعالى في القصة نفسها
هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة الآية [ 3 \ 38 ] ، وأشار إلى أنه الولد أيضا بقوله :
وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين [ 21 \ 89 ] ، فقوله "
لا تذرني فردا " ، أي : واحدا بلا ولد .
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة ، عن زكريا :
وإني خفت الموالي من ورائي ، أي : من بعدي إذا مت أن يغيروا في الدين ، وقد قدمنا أن الموالي الأقارب والعصبات ، ومن ذلك قوله تعالى :
ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون الآية [ 4 \ 33 ] ، والمولى في لغة العرب : يطلق على كل من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به ، وكثيرا ما يطلق في اللغة على ابن العم ; لأن ابن العم يوالي ابن عمه بالقرابة العصبية ، ومنه قول
طرفة بن العبد :
واعلم علما ليس بالظن أنه إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
يعني إذا ذلت بنو عمه فهو ذليل ، وقول
الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :
مهلا ابن عمنا مهلا موالينا لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
وكانت امرأتي عاقرا ، ظاهر في أنها كانت عاقرا في زمن شبابها ، والعاقر : هي العقيم التي لا تلد وهو يطلق على الذكر والأنثى ;
[ ص: 366 ] فمن إطلاقه على الأنثى هذه الآية ، وقوله تعالى عن
زكريا أيضا :
وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر [ 3 \ 40 ] ، ومن إطلاقه على الذكر قول
عامر بن الطفيل :
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كل محضر
وقد أشار تعالى إلى أنه أزال عنها العقم ، وأصلحها ، فجعلها ولودا بعد أن كانت عاقرا في قوله عز وجل :
فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه [ 21 \ 90 ] ، فهذا الإصلاح هو كونها صارت تلد بعد أن كانت عقيما ، وقول من قال : إن إصلاحها المذكور هو جعلها حسنة الخلق بعد أن كانت سيئة الخلق لا ينافي ما ذكر لجواز أن يجمع له بين الأمرين فيها ، مع أن كون الإصلاح هو جعلها ولودا بعد العقم هو ظاهر السياق ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
ومجاهد وغيرهم ، والقول الثاني يروى عن
عطاء .
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة عن
زكريا واجعله رب رضيا [ 19 \ 6 ] ، أي : مرضيا عندك وعند خلقك في أخلاقه وأقواله وأفعاله ودينه ، وهو فعيل بمعنى مفعول .
وقولـه تعالى في هذه الآية الكريمة :
فهب لي من لدنك ، أي : من عندك ، وقولـه جل وعلا في هذه الآية الكريمة
يرثني ويرث من آل يعقوب [ 19 \ 6 ] ، قرأه
أبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بإسكان الثاء المثلثة من الفعلين ، أعني
يرثني ويرث من آل يعقوب وهما على هذه القراءة مجزومان لأجل جواب الطلب الذي هو " هب لي " والمقرر عند علماء العربية ، أن المضارع المجزوم في جواب الطلب مجزوم بشرط مقدر يدل عليه فعل الطلب ، وتقديره في هذه الآية التي نحن بصددها ، إن تهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من
آل يعقوب ، وقرأ الباقون
يرثني ويرث من آل يعقوب ، يرفع الفعلين على أن الجملة نعت لقوله " وليا " أي : وليا وارثا لي ، ووارثا من
آل يعقوب ، كما قال في الخلاصة :
ونعتوا بجملة منكرا فأعطيت ما أعطيته خبرا وقراءة الجمهور برفع الفعلين أوضح معنى ، وقرأ
ابن كثير بفتح الياء من قوله :
من ورائي وكانت امرأتي ، والباقون بإسكانها ، وقرأ " زكريا " بلا همزة بعد الألف حمزة
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص عن
عاصم ، والباقون قرءوا " زكرياء " بهمزة بعد الألف ، وبه تعلم أن المد في قوله : " وزكرياء إذ نادى " ، منفصل على قراءة
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص ، ومتصل
[ ص: 367 ] على قراءة الباقين ، والهمزة الثانية على قراءة الجمهور التي هي همزة " إذا " مسهلة في قراءة
نافع وابن كثير وأبي عمرو ، ومحققة في قراءة
ابن عامر وشعبة عن
عاصم ، وقراءة
خفت الموالي بفتح الخاء والفاء المشددة بصيغة الفعل الماضي بمعنى أن مواليه خفوا أي : قلوا شاذة لا تجوز القراءة بها وإن رويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ،
ومحمد بن علي بن الحسين ، وغيرهم رضي الله عنهم ، وامرأة زكريا المذكورة قال
القرطبي : هي
إيشاع بنت فاقوذ بن قبيل ، وهي أخت
حنة بنت فاقوذا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ،
وحنة : هي أم مريم ، وقال القتبي : امرأة زكريا هي
إيشاع بنت عمران ، فعلى هذا القول يكون
يحيى بن خالة
عيسى عليهما السلام على الحقيقة ، وعلى القول الأول يكون ابن خالة أمه ، وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام : " فلقيت ابني الخالة
يحيى وعيسى " شاهدا للقول الأول ا هـ ، منه ، والظاهر شهادة الحديث للقول الثاني لا للأول ، خلافا لما ذكره رحمه الله تعالى ، والعلم عند الله تعالى .