قوله تعالى :
تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ، الإشارة في قوله : تلك [ 19 \ 63 ] ، إلى ما تقدم من قوله :
فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب الآية ، وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يورث المتقين من عباده جنته ، وقد بين هذا المعنى أيضا في مواضع أخر ، كقوله تعالى :
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون - إلى قوله -
أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون [ 23 \ 1 - 11 ] ، وقوله :
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الآيات [ 3 \ 133 ] ، وقوله تعالى :
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا الآية [ 39 \ 71 ] ، وقوله :
ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [ 7 \ 43 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
ومعنى إيراثهم الجنة : الإنعام عليهم بالخلود فيها في أكمل نعيم وسرور ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في ) الكشاف ( : نورث أي : نبقي عليه الجنة كما نبقي على الوارث مال الموروث ، ولأن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة قد انقضت أعمالهم ، وثمرتها باقية وهي الجنة ، فإذا أدخلهم الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى ، وقال بعض أهل العلم :
معنى إيراثهم الجنة أن الله تعالى خلق لكل نفس منزلا في الجنة ، ومنزلا في النار ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ; أراهم منازلهم في النار لو كفروا وعصوا الله ليزداد سرورهم وغبطتهم ; وعند ذلك يقولون :
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الآية [ 7 \ 43 ] ، وكذلك يرى أهل النار منازلهم في الجنة لو آمنوا واتقوا الله لتزداد ندامتهم وحسرتهم ، وعند ذلك يقول الواحد منهم :
[ ص: 472 ] لو أن الله هداني لكنت من المتقين ، ثم إنه تعالى يجعل منازل أهل الجنة في النار لأهل النار ، ومنازل أهل النار في الجنة لأهل الجنة فيرثون منازل أهل النار في الجنة ، وهذا هو معنى الإيراث المذكور على هذا القول .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : قد جاء حديث يدل لما ذكر من أن لكل أحد منزلا في الجنة ومنزلا في النار ، إلا أن حمل الآية عليه غير صواب ; لأن أهل الجنة يرثون من الجنة منازلهم المعدة لهم بأعمالهم وتقواهم ، كما قد قال تعالى :
ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [ 7 \ 43 ] ، ونحوها من الآيات ، ولو فرضنا أنهم يرثون منازل أهل النار فحمل الآية على ذلك يوهم أنهم ليس لهم في الجنة إلا ما أورثوا من منازل أهل النار والواقع بخلاف ذلك كما ترى ، والحديث المذكور هو ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في المسند ،
والحاكم في المستدرك من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008265كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله ، هداني فيكون له أشكر ، وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني ، فيكون عليه حسرة " اهـ ، وعلم في الجامع الصغير على هذا الحديث علامة الصحة ، وقال شارحه
المناوي : قال
الحاكم : صحيح على شرطهما وأقره
الذهبي ، وقال
الهيثمي رجال
أحمد رجال الصحيح . اهـ .