قوله تعالى :
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا .
قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة :
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى [ 19 \ 76 ] ، دليل على رجحان القول الثاني في الآية المتقدمة ، وأن المعنى : أن من كان في الضلالة زاده الله ضلالة ، ومن اهتدى زاده الله هدى ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة ، كقوله في الضلال :
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] ، وقوله :
بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، وقوله :
ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم [ 63 \ 3 ] ، وقوله تعالى :
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة الآية [ 6 \ 110 ] ، كما قدمنا كثيرا من الآيات الدالة على هذا المعنى .
وقال في الهدى :
والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم [ 47 \ 17 ] ، وقال :
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم [ 48 \ 4 ] ، وقال :
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا الآية [ 29 \ 69 ] ، وقد جمع بينهما في آيات أخر ، كقوله :
وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا [ 17 \ 82 ] ، وقوله تعالى :
قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى الآية [ 41 \ 44 ] ، وقوله تعالى :
وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون [ 9 \ 124 - 125 ] ، كما تقدم إيضاحه .
وقوله :
والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا [ 19 \ 76 ] ، تقدم
[ ص: 490 ] إيضاحه في سورة " الكهف " .
فإن قيل : ظاهر الآية أن لفظة خير في قوله :
خير عند ربك ثوابا وخير مردا ، صيغة تفضيل ، والظاهر أن المفضل عليه هو جزاء الكافرين ، ويدل لذلك ما قاله صاحب الدر المنثور ، قال : وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في قوله :
خير عند ربك ثوابا ، يعني : خير جزاء من جزاء المشركين ،
وخير مردا ، يعني مرجعا من مرجعهم إلى النار ، والمعروف في العربية أن
صيغة التفضيل تقتضي مشاركة المفضل عليه ، والخيرية منفية بتاتا عن جزاء المشركين وعن مردهم ، فلم يشاركوا في ذلك المسلمين حتى يفضلوا عليهم .
فالجواب : أن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في كشافه حاول الجواب عن هذا السؤال بما حاصله : أنه كأنه قيل ثوابهم النار ، والجنة خير منها على طريقة قول
بشر بن أبي حازم :
غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار ، فأعتبوا بالصيلم
فقوله : " أعتبوا بالصيلم " يعني أرضوا بالسيف ، أي : لا رضا لهم عندنا إلا السيف لقتلهم به .
ونظيره قول
عمرو بن معدي كرب :
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
أي لا تحية بينهم إلا الضرب الوجيع
وقول الآخر :
شجعاء جرتها الذميل تلوكه أصلا إذا راح المطي غراثا
يعني : أن هذه الناقة لا جرة لها تخرجها من كرشها فتمضغها إلا السير ، وعلى هذا المعنى فالمراد : لا ثواب لهم إلا النار ، وباعتبار جعلها ثوابا بهذا المعنى فضل عليها ثواب المؤمنين ، هذا هو حاصل جواب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري مع إيضاحنا له .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : ويظهر لي في الآية جواب آخر أقرب من هذا ، وهو أنا قدمنا أن القرآن والسنة الصحيحة دلا على أن
الكافر مجازى بعمله الصالح في الدنيا ، فإذا بر والديه ونفس عن المكروب ، وقرى الضيف ، ووصل الرحم مثلا يبتغي بذلك وجه الله فإن الله يثيبه في الدنيا ، كما قدمنا دلالة الآيات عليه ، وحديث
أنس عند
مسلم ، فثوابه هذا الراجع إليه من عمله في الدنيا ، هو الذي فضل الله عليه في الآية ثواب المؤمنين ، وهذا واضح لا إشكال فيه ، والعلم عند الله تعالى .