قوله تعالى :
سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه سيكتب ما قاله ذلك الكافر افتراء عليه ، من أنه يوم القيامة يؤتى مالا وولدا مع كفره بالله ، وأنه يمد له من العذاب مدا ، قال
القرطبي في تفسير قوله تعالى :
ونمد له من العذاب مدا [ 19 \ 79 ] أي : نزيده عذابا فوق عذاب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف :
ونمد له من العذاب مدا أي : نطول له من العذاب ما يستأهله ، ونعذبه بالنوع الذي يعذب به المستهزئون ، أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد ، يقال : مده وأمده ، بمعنى ، وتدل عليه قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه " ونمد له " ، بالضم .
وأكد ذلك بالمصدر ، وذلك من فرط غضب الله ، نعوذ به من التعرض لما يستوجب غضبه . اهـ .
وأصل المدد لغة : الزيادة ، ويدل لذلك المعنى قوله تعالى في أكابر الكفار الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله :
زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون [ 16 \ 88 ] ، وقوله في الأتباع والمتبوعين :
قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون [ 7 \ 38 ] .
وقوله في هذه الآية :
ونرثه ما يقول [ 19 \ 80 ] ، أي : ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من مال وولد ، أي : نسلبه منه في الدنيا ما أعطيناه من المال والولد بإهلاكنا إياه ، وقيل : نحرمه ما تمناه من المال والولد في الآخرة ، ونجعله للمسلمين ، ويدل للمعنى الأول قوله تعالى :
إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون [ 19 \ 40 ] ، وقوله :
وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون [ 15 \ 23 ] ، كما تقدم إيضاحه في
[ ص: 508 ] هذه السورة الكريمة .
وقوله :
ويأتينا فردا ، أي : منفردا لا مال له ولا ولد ولا خدم ولا غير ذلك ، كما قال تعالى :
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة الآية [ 6 \ 94 ] ، وقال تعالى :
وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [ 19 \ 95 ] كما تقدم إيضاحه .
فإن قيل : كيف عبر جل وعلا في هذه الآية الكريمة بحرف التنفيس الدال على الاستقبال في قوله :
سنكتب ما يقول مع أن ما يقوله الكافر يكتب بلا تأخير ، بدليل قوله تعالى :
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ 50 \ 18 ] .
فالجواب : أن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في كشافه تعرض للجواب عن هذا السؤال بما نصه : .
قلت : فيه وجهان ، أحدهما : سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله ، على طريقة قول
زائد بن صعصعة الفقعسي :
إذ ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ولم تجدي من أن تقري بها بدا
أي : تبين وعلم بالانتساب أني لست بابن لئيمة .
والثاني : أن المتوعد يقول للجاني : سوف أنتقم منك ، يعني أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر ، فجردها هنا لمعنى الوعيد . انتهى منه بلفظه ، إلا أنا زدنا اسم قائل البيت وتكملته .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه يكتب ما يقول هذا الكافر ، ذكر نحوه في مواضع متعددة من كتابه ، كقوله تعالى :
قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون [ 10 \ 21 ] وقوله تعالى :
أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون [ 43 \ 80 ] ، وقوله تعالى :
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [ 45 \ 29 ] وقوله تعالى :
ستكتب شهادتهم ويسألون [ 43 \ 19 ] وقوله تعالى :
سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق [ 3 \ 181 ] ، وقوله تعالى :
كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون [ 82 \ 9 - 11 ] وقوله تعالى :
ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [ 18 \ 49 ] ، وقوله تعالى :
ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ 17 \ 13 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .