قوله تعالى : وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى . خاطب الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية الكريمة بأنه : إن يجهر بالقول أي يقوله جهرة في غير خفاء ، فإنه جل وعلا يعلم السر وما هو أخفى من السر . وهذا المعنى الذي أشار إليه هنا ذكره في مواضع أخر ، كقوله :
وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور [ 67 13 ] ، وقوله :
والله يعلم ما تسرون وما تعلنون [ 16 19 ] ، وقوله تعالى :
والله يعلم إسرارهم [ 47 26 ] ، وقوله تعالى :
قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض الآية [ 25 6 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وفي المراد بقوله في هذه الآية
وأخفى أوجه معروفة كلها حق ويشهد لها قرآن . قال بعض أهل العلم
يعلم السر : أي ما قاله العبد سرا
وأخفى أي ويعلم ما هو أخفى من السر ، وهو ما توسوس به نفسه . كما قال تعالى :
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ 50 \ 16 ] . وقال بعض أهل العلم :
فإنه يعلم السر : أي ما توسوس به نفسه
وأخفى من ذلك ، وهو ما علم الله أن الإنسان سيفعله قبل أن يعلم الإنسان أنه فاعله ، كما قال تعالى :
ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون [ 23 63 ] ، وكما قال تعالى :
هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى [ 53 32 ] فالله يعلم ما يسره الإنسان اليوم . وما سيسره غدا . والعبد لا يعلم ما في غد كما قال
زهير في معلقته :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عم
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
وأخفى صيغة تفضيل كما بينا ، أي
[ ص: 7 ] ويعلم ما هو أخفى من السر . وقول من قال : إن " أخفى " فعل ماض بمعنى أنه يعلم سر الخلق ، وأخفى عنهم ما يعلمه هو . كقوله :
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما [ 20 110 ] ظاهر السقوط كما لا يخفى .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر أي فلا حاجة لك إلى الجهر بالدعاء ونحوه ، كما قال تعالى :
ادعوا ربكم تضرعا وخفية [ 7 55 ] ، وقال تعالى :
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول [ 7 205 ] . ويوضح هذا المعنى الحديث الصحيح . لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع أصحابه رفعوا أصواتهم بالتكبير قال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008281أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ، ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا . إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " .