قوله تعالى : وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا .
لم يبين هنا جل وعلا في هذه الآية الكريمة سبب قتله لهذه النفس ، ولا ممن هي ، ولم يبين السبب الذي نجاه به من ذلك الغم ، ولا الفتون الذي فتنه ، ولكنه بين في سورة " القصص " خبر القتيل المذكور في قوله تعالى :
ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم [ 28 15 - 16 ] وأشار إلى القتيل المذكور في قوله :
قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون [ 28 33 ] وهو المراد بالذنب في قوله تعالى عن
موسى :
فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون [ 26 13 - 14 ] وهو مراد فرعون بقوله
لموسى فيما ذكره الله عنه :
وفعلت فعلتك التي فعلت الآية [ 26 19 ] . وقد أشار تعالى في " القصص " أيضا إلى غم
موسى ، وإلى السبب الذي أنجاه الله به منه في قوله :
وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال ياموسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل [ ص: 13 ] إلى قوله
قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين [ 28 20 - 25 ] . وقوله
وفتناك فتونا ، قال بعض أهل العلم : الفتون مصدر ، وربما جاء مصدر الثلاثي المتعدي على فعول . وقال بعضهم : هو جمع فتنة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف
فتونا يجوز أن يكون مصدرا على فعول في المتعدي كالثبور ، والشكور ، والكفور . وجمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداء بتاء التأنيث كحجوز وبدور في حجزة وبدرة أي فتناك ضروبا من الفتن . وقد جاء في تفسير الفتون المذكور حديث معروف عند أهل العلم بحديث " الفتون " ، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وساقه
ابن كثير في تفسيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بسنده . وهو حديث طويل يقتضي أن الفتون يشمل كل ما جرى على
موسى من المحن من فرعون في صغره وكبره ، كالخوف عليه من الذبح وهو صغير ، ومن أجل ذلك ألقي في التابوت وقذف في اليم فألقاه اليم بالساحل . وكخوفه وهو كبير من أن يقتله فرعون بالقبطي الذي قتله . وعلى هذا فالآيات التي ذكرت فيها تلك المحن مبينة للفتون على تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس للفتون المذكور . وقال
ابن كثير بعد أن ساق حديث الفتون بطوله : هكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في السنن الكبرى . وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935أبو جعفر بن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم في تفسيريهما كلهم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون به ، وهو موقوف من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه ، وكأنه تلقاه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار أو غيره . والله أعلم . وسمعت شيخنا
الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا ا ه .