صفحة جزء
قوله تعالى : فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى

.

ألف الاثنين في قوله " فأتياه " راجعة إلى موسى وهارون . والهاء راجعة إلى فرعون . أي فأتيا فرعون " فقولا " له : " إنا رسولان إليك من ربك فأرسل معنا بني إسرائيل " أي خل عنهم وأطلقهم لنا يذهبون معنا حيث شاءوا ، ولا تعذبهم .

العذاب الذي نهى الله فرعون أن يفعله ببني إسرائيل : هو المذكور في سورة " البقرة " في قوله : وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم [ 2 49 ] ، وفي سورة " إبراهيم " في قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم [ 14 6 ] ، وفي سورة " الأعراف " في قوله تعالى : وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم [ 7 141 ] . وفي سورة " الدخان " في قوله : ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين [ 44 20 ] وفي سورة " الشعراء " في قوله : وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل [ 26 22 ] .

[ ص: 17 ] وما أمر به الله موسى وهارون في آية " طه " هذه من أنهما يقولان لفرعون إنهما رسولا ربه إليه ، وأنه يأمره بإرسال بني إسرائيل ، ولا يعذبهم أشار إليه تعالى في غير هذا الموضع ، كقوله في سورة " الشعراء " : فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل [ 26 16 - 17 ] .

تنبيه

فإن قيل ، ما وجه الإفراد في قوله إنا رسول رب العالمين في " الشعراء " ؟ مع أنهما رسولان ؟ كما جاء الرسول مثنى في " طه " فما وجه التثنية في " طه " ، والإفراد في " الشعراء " ، وكل واحد من اللفظين : المثنى ، والمفرد يراد به موسى وهارون ؟

فالذي يظهر لي ، والله تعالى أعلم أن لفظ الرسول أصله مصدر وصف به ، والمصدر إذا وصف به ذكر وأفرد كما قدمنا مرارا . فالإفراد في " الشعراء " نظرا إلى أن أصل الرسول مصدر . والتثنية في " طه " اعتدادا بالوصفية العارضة وإعراضا عن الأصل ، ولهذا يجمع الرسول اعتدادا بوصفيته العارضة ، ويفرد مرادا به الجمع نظرا إلى أن أصله مصدر . ومثال جمعه قوله تعالى : تلك الرسل الآية [ 2 253 ] ، وأمثالها في القرآن . ومثال إفراده مرادا به الجمع قول أبي ذؤيب الهذلي :


ألكني إليها وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبر



ومن إطلاق الرسول مرادا به المصدر على الأصل قوله :


لقد كذب الواشون ما فهت عندهم     بقول ولا أرسلتهم برسول



أي برسالة .

وقول الآخر :


ألا بلغ بني عصم رسولا     بأني عن فتاحتكم غني



يعني أبلغهم رسالة .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : قد جئناك بآية يراد به جنس الآية الصادق بالعصا ، واليد ، وغيرهما . لدلالة آيات أخر على ذلك .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : والسلام على من اتبع الهدى يدخل فيه السلام على فرعون إن اتبع الهدى . ويفهم من الآية : أن من لم يتبع الهدى لا سلام عليه ، وهو كذلك . ولذا كان في أول الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل عظيم الروم :

[ ص: 18 ] " بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . . . " إلى آخر كتابه - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية