قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ظاهر هذه الآية شمولها لجميع المطلقات ، ولكنه بين في آيات أخر خروج بعض المطلقات من هذا العموم ،
كالحوامل المنصوص على أن عدتهن وضع الحمل ، في قوله :
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ 65 \ 4 ]
وكالمطلقات قبل الدخول المنصوص على أنهن لا عدة عليهن أصلا ، بقوله :
ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا [ 33 \ 49 ] .
أما اللواتي لا يحضن ، لكبر أو صغر فقد بين أن عدتهن ثلاثة أشهر في قوله :
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن [ 65 \ 4 ] .
قوله تعالى :
ثلاثة قروء فيه إجمال ; لأن
القرء يطلق لغة على الحيض ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007116دعي الصلاة أيام أقرائك " . ويطلق القرء لغة أيضا على الطهر ومنه قول
الأعشى : [ الطويل ]
أفي كل يوم أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا
[ ص: 97 ] مورثة مالا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
ومعلوم أن القرء الذي يضيع على الغازي من نسائه هو الطهر دون الحيض ، وقد اختلف العلماء في المراد بالقروء في هذه الآية الكريمة ، هل هو الأطهار أو الحيضات ؟
وسبب الخلاف اشتراك القرء بين الطهر والحيض كما ذكرنا ، وممن ذهب إلى أن المراد بالقرء في الآية الطهر
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وأم المؤمنين عائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ، والفقهاء السبعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11795وأبان بن عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، وعامة فقهاء
المدينة وهو رواية عن
أحمد ، وممن قال : بأن القروء الحيضات الخلفاء الراشدون الأربعة ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
وأبو موسى ،
nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت ،
وأبو الدرداء ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل ، وجماعة من التابعين وغيرهم ، وهو الرواية الصحيحة عن
أحمد .
واحتج كل من الفريقين بكتاب وسنة ، وقد ذكرنا في ترجمة هذا الكتاب أننا في مثل ذلك نرجح ما يظهر لنا أن دليله أرجح أما الذين قالوا القروء الحيضات ، فاحتجوا بأدلة كثيرة منها قوله تعالى :
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن قالوا : فترتيب العدة بالأشهر على عدم الحيض يدل على أن أصل العدة بالحيض ، والأشهر بدل من الحيضات عند عدمها ، واستدلوا أيضا بقوله :
ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [ 2 \ 228 ] .
قالوا : هو الولد أو الحيض ، واحتجوا بحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007116دعي الصلاة أيام أقرائك " قالوا : إنه صلى الله عليه وسلم هو مبين الوحي وقد أطلق القرء على الحيض ، فدل ذلك على أنه المراد في الآية ، واستدلوا بحديث اعتداد الأمة بحيضتين ، وحديث استبرائها بحيضة .
وأما الذين قالوا : القروء الأطهار ، فاحتجوا بقوله تعالى :
فطلقوهن لعدتهن [ 65 \ 1 ] قالوا : عدتهن المأمور بطلاقهن لها ، الطهر لا الحيض كما هو صريح الآية ، ويزيده إيضاحا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المتفق عليه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007117فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله " قالوا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح في هذا الحديث المتفق عليه ، بأن الطهر هو العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ، مبينا أن ذلك هو معنى قوله تعالى :
فطلقوهن لعدتهن وهو نص من كتاب الله وسنة نبيه في محل النزاع .
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي أن دليل هؤلاء هذا - فصل في محل النزاع -
[ ص: 98 ] لأن مدار الخلاف هل القروء الحيضات أو الأطهار ؟ وهذه الآية وهذا الحديث دلا على أنها الأطهار .
ولا يوجد في كتاب الله ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - شيء يقاوم هذا الدليل ، لا من جهة الصحة ، ولا من جهة الصراحة في محل النزاع ; لأنه حديث متفق عليه مذكور في معرض بيان معنى آية من كتاب الله تعالى .
وقد صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، بأن الطهر هو العدة مبينا أن ذلك هو مراد الله جل وعلا ، بقوله :
فطلقوهن لعدتهن ، فالإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007118فتلك العدة " راجعة إلى حال الطهر الواقع فيه الطلاق ; لأن معنى قوله " فليطلقها طاهرا " أي : في حال كونها طاهرا ، ثم بين أن ذلك الحال الذي هو الطهر هو العدة مصرحا بأن ذلك هو مراد الله في كتابه العزيز ، وهذا نص صريح في أن العدة بالطهر . وأنث بالإشارة لتأنيث الخبر ، ولا تخلص من هذا الدليل لمن يقول هي الحيضات إلا إذا قال : العدة غير القروء ، والنزاع في خصوص القروء كما قال بهذا بعض العلماء .
وهذا القول يرده إجماع أهل العرف الشرعي ، وإجماع أهل اللسان العربي ، على أن عدة من تعتد بالقروء هي نفس القروء لا شيء آخر زائد على ذلك . وقد قال تعالى :
وأحصوا العدة [ 65 \ 1 ] وهي زمن التربص إجماعا ، وذلك هو المعبر عنه بثلاثة قروء ، التي هي معمول قوله تعالى :
يتربصن [ 2 \ 228 ] في هذه الآية فلا يصح لأحد أن يقول : إن على المطلقة التي تعتد بالأقراء شيئا يسمى العدة زائدا على ثلاثة القروء المذكورة في الآية الكريمة البتة ، كما هو معلوم .