قوله تعالى : فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن فرعون لما وعد
موسى بأنه يأتي بسحر مثل ما جاء به
موسى في زعمه قال
لموسى فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت والإخلاف : عدم إنجاز الوعد . وقرر أن يكون مكان الاجتماع المناظرة والمغالبة في السحر في زعمه مكانا سوى . وأصح الأقوال في قوله
سوى على قراءة الكسر والضم : أنه مكان وسط تستوي أطراف البلد فيه . لتوسطها بينها ، فلم يكن أقرب للشرق من الغرب ، ولا للجنوب من الشمال . وهذا هو معنى قول المفسرين
مكانا سوى أي نصفا وعدلا ليتمكن جميع الناس أن يحضروا . وقوله :
سوى أصله من الاستواء . لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين لا تفاوت فيها بل هي مستوية . وقوله
سوى فيه ثلاث لغات : الضم ، والكسر مع القصر ، وفتح السين مع المد . والقراءة بالأوليين دون الثالثة هنا ومن القراءة بالثالثة
إلى كلمة سواء بيننا وبينكم [ 3 64 ] ومن إطلاق العرب
مكانا سوى على المكان المتوسط بين الفريقين قول
موسى بن جابر الحنفي ، وقد أنشده
أبو عبيدة شاهدا لذلك :
وإن أبانا كان حل ببلدة سوى بين قيس عيلان والفزر
[ ص: 29 ] والفزر :
سعد بن زيد مناة بن تميم . يعني : حل ببلدة مستوية مسافتها بين
قيس عيلان ،
والفزر . وأن
موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أجاب فرعون إلى ما طلب منه من الموعد ، وقرر أن يكون وقت ذلك يوم الزينة . وأقوال أهل العلم في يوم الزينة راجعة إلى أنه يوم معروف لهم ، يجتمعون فيه ويتزينون . سواء قلنا : إنه يوم عيد لهم ، أو يوم عاشوراء ، أو يوم النيروز ، أو يوم كانوا يتخذون فيه سوقا ويتزينون فيه بأنواع الزينة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وإنما واعدهم
موسى ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله وظهور دينه ، وكبت الكافر وزهوق الباطل على رءوس الأشهاد في المجمع الغاص لتقوى رغبة من رغب في اتباع الحق ، ويكل حد المبطلين وأشياعهم ، ويكثر المحدث بذلك الأمر . ليعلم في كل بدو وحضر ، ويشيع في جميع أهل الوبر ، والحضر . اه منه .
والمصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله
وأن يحشر الناس ضحى في محل جر عطفا على
الزينة أي موعدكم يوم الزينة وحشر الناس ، أو في محل رفع عطفا على قوله
يوم الزينة على قراءة الجمهور بالرفع . والحشر : الجمع ، والضحى : من أول النهار حين تشرق الشمس . والضحى يذكر ويؤنث . فمن أنثه ذهب إلى أنه جمع ضحوة . ومن ذكره ذهب إلى أنه اسم مفرد جاء على فعل بضم ففتح كصرد وزفر . وهو منصرف إذا لم ترد ضحى يوم معين بلا خلاف . وإن أردت ضحى يومك المعين فقيل يمنع من الصرف كسحر . وقيل لا .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة : من كون
المناظرة بين موسى ، والسحرة عين لوقتها يوم معلوم يجتمع الناس فيه . ليعرفوا الغالب من المغلوب أشير له في غير هذا الموضع . كقوله تعالى في " الشعراء " :
فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين [ 26 38 - 40 ] .
فقوله تعالى :
لميقات يوم معلوم .
اليوم المعلوم : هو يوم الزينة المذكور هنا . وميقاته وقت الضحى منه المذكور في قوله
وأن يحشر الناس ضحى .