[ ص: 33 ] قوله تعالى : قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن السحرة لما جمعهم
فرعون واجتمعوا مع
موسى للمغالبة قالوا له متأدبين معه :
إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى وقد بين تعالى مقالتهم هذه في غير هذا الموضع . كقوله في " الأعراف " :
قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين [ 7 115 ] . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يحذف مفعول فعل في موضع ، ثم يبين في موضع آخر ، فإنا نبين ذلك ، وقد حذف هنا في هذه الآية مفعول تلقي ومفعول أول من ألقى وقد بين تعالى في مواضع أخر أن مفعول إلقاء
موسى هو عصاه وذلك في قوله في " الأعراف " :
وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون [ 7 117 ] ، وقوله في " الشعراء " :
فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون [ 26 45 ] ، وقوله هنا :
وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا الآية [ 20 69 ] . وما في يمينه هو عصاه . كما قال تعالى :
وما تلك بيمينك ياموسى قال هي عصاي الآية [ 20 17 ] .
وقد بين تعالى أيضا في موضع آخر : أن مفعول إلقائهم هو حبالهم وعصيهم ، وذلك في قوله في " الشعراء " :
فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون [ 26 44 ] . وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضا بقوله هنا
قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى [ 20 66 ] ، لأن في الكلام حذفا دل المقام عليه ، والتقدير : قال بل ألقوا فألقوا حبالهم وعصيهم فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى . والمصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله
أن تلقي وفي قوله
أن نكون فيه وجهان من الإعراب : الأول أنه في محل نصب بفعل محذوف دل المقام عليه ، والتقدير : إما أن تختار أن تلقي أي : تختار إلقاءك أولا ، أو تختار إلقاءنا أولا . وتقدير المصدر الثاني : وإما أن تختار أن نكون أي : كوننا أول من ألقى ، والثاني أنه في محل رفع ، وعليه فقيل هو مبتدأ ، والتقدير إما إلقاؤك أولا ، أو إلقاؤنا أولا . وقيل خبر مبتدأ محذوف ، أي : إما الأمر إلقاؤنا أو إلقاؤك .