قوله تعالى :
قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني .
قال بعض أهل العلم : " لا " في قوله :
ألا تتبعني زائدة للتوكيد . واستدل من قال ذلك بقوله تعالى في " الأعراف " :
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك [ 7 \ 12 ] ، قال لأن المراد : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك . بدليل قوله في القصة بعينها في سورة " ص " :
قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي الآية [ 38 ] . فحذف لفظة " لا " في " ص " مع ثبوتها في " الأعراف " ، والمعنى واحد . فدل ذلك على أنها مزيدة للتوكيد .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : قد عرف في اللغة العربية أن زيادة لفظة " لا " في الكلام الذي فيه معنى الجحد لتوكيده مطردة . كقوله هنا :
ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أي : ما منعك أن تتبعني ، وقوله : ما منعك أن تسجد بدليل قوله في " ص " :
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي الآية ، وقوله تعالى :
لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله الآية [ 57 \ 29 ] . أي : ليعلم أهل الكتاب ، وقوله
فلا وربك لا يؤمنون [ 4 \ 65 ] ، أي فوربك لا يؤمنون ، وقوله :
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة [ 41 ] ،
[ ص: 90 ] أي : والسيئة ، وقوله :
وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [ 21 \ 95 ] ، على أحد القولين ، وقوله :
وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون [ 6 \ 109 ] ، على أحد القولين ، وقوله :
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا الآية [ 6 \ 151 ] على أحد الأقوال فيها .
ونظير ذلك من كلام العرب قول
امرئ القيس :
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
يعني فوأبيك . وقول
أبي النجم :
فما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندرا
يعني أن تسخر ، وقول الآخر :
ما كان يرضى رسول الله دينهم والأطيبان أبو بكر ولا عمر
يعني وعمر . وقول الآخر :
وتلحينني في اللهو ألا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
يعني أن أحبه ، و " لا " مزيدة في جميع الأبيات لتوكيد الجحد فيها . وقال
الفراء : إنها لا تزاد إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد كالأمثلة المتقدمة . والمراد بالجحد النفي وما يشبه كالمنع في قوله :
ما منعك [ 20 \ 89 ] ، ونحو ذلك . والذي يظهر لنا ، والله تعالى أعلم . أن زيادة لفظة " لا " لتوكيد الكلام وتقويته أسلوب من أساليب اللغة العربية ، وهو في الكلام الذي فيه معنى الجحد أغلب مع أن ذلك مسموع في غيره . وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي لزيادة " لا " قول
ساعدة الهذلي :
أفعنك لا برق كأن وميضه غاب تسنمه ضرام مثقب
ويروى " أفمنك " بدل " أفعنك " و " تشيمه " بدل " تسنمه " يعني أعنك برق بـ " لا " زائدة للتوكيد ، والكلام ليس فيه معنى الجهد . ونظيره قول الآخر :
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتقطع
يعني كاد يتقطع . وأنشد
الجوهري لزيادة " لا " قول
العجاج :
في بئر لا حور سرى وما شعر بإفكه حتى رأى الصبح جشر
والحور الهلكة . يعني في بئر هلكة ، ولا زائدة للتوكيد . قاله
أبو عبيدة ، وغيره .
[ ص: 91 ] والكلام ليس فيه معنى الجحد . وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في سورة " البلد " .