[ ص: 100 ] قوله تعالى :
يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا .
قوله يومئذ أي : يوم إذ نسفت الجبال يتبعون الداعي . والداعي : هو الملك الذي يدعوهم إلى الحضور للحساب . قال بعض أهل العلم : يناديهم أيتها العظام النخرة ، والأوصال المتفرقة ، واللحوم المتمزقة ، قومي إلى ربك للحساب ، والجزاء ، فيسمعون الصوت ويتبعونه . ومعنى
لا عوج له : أي : لا يحيدون عنه ، ولا يميلون يمينا ، ولا شمالا . وقيل : لا عوج لدعاء الملك عن أحد ، أي : لا يعدل بدعائه عن أحد ، بل يدعوهم جميعا . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من اتباعهم للداعي للحساب ، وعدم عدولهم عنه بينه في غير هذا الموضع ، وزاد أنهم يسرعون إليه كقوله تعالى
فتول عنهم يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر [ 54 \ 6 - 8 ] ، والإهطاع : الإسراع : وقوله تعالى :
واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج [ 50 \ 41 - 42 ] ، وقوله تعالى :
يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده الآية [ 17 \ 52 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
وخشعت الأصوات للرحمن أي : خفضت وخفتت ، وسكنت هيبة لله ، وإجلالا وخوفا
فلا تسمع في ذلك اليوم صوتا عاليا ، بل لا تسمع
إلا همسا أي : صوتا خفيا خافتا من شدة الخوف . أو
إلا همسا أي : إلا صوت خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر ، والهمس يطلق في اللغة على الخفاء ، فيشمل خفض الصوت وصوت الأقدام . كصوت أخفاف الإبل في الأرض التي فيها يابس النبات ، ومنه قول الراجز :
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
وما ذكره جل وعلا هنا أشار له في غير هذا الموضع ، كقوله :
رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ 78 \ 37 ] .
وقوله هنا :
يومئذ لا تنفع الشفاعة الآية ، قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في " مريم " ، وغيرها ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .