[ ص: 101 ] قوله تعالى :
وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما .
قوله : عنت أي : ذلت وخضعت . تقول العرب : عنا يعنو عنوا وعناء : إذ ذل وخضع ، وخشع . ومنه قيل للأسير عان لذله وخضوعه لمن أسره . ومنه قول
أمية بن أبي الصلت الثقفي :
مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وقوله أيضا :
وعنا له وجهي وخلقي كله في الساجدين لوجهه مشكورا
واعلم أن العلماء اختلفوا في هذه الآية الكريمة ، فقال بعضهم : المراد بالوجوه التي ذلت وخشعت للحي القيوم : وجوه العصاة خاصة وذلك يوم القيامة : وأسند الذل ، والخشوع لوجوههم ، لأن الوجه تظهر فيه آثار الذل ، والخشوع . ومما يدل على هذا المعنى من الآيات القرآنية قوله تعالى :
فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا الآية [ 67 \ 27 ] وقوله :
ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة [ 75 \ 24 ] ، وقوله تعالى :
وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية [ 88 \ 2 - 4 ] ، ، وعلى هذا القول انتصر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري واستدل له ببعض الآيات المذكورة .
وقال بعض العلماء
وعنت الوجوه : أي : ذلت وخضعت وجوه المؤمنين لله في دار الدنيا ، وذلك بالسجود ، والركوع . وظاهر القرآن يدل على أن المراد الذل والخضوع لله يوم القيامة ، لأن السياق في يوم القيامة ، وكل الخلائق تظهر عليهم في ذلك اليوم علامات الذل ، والخضوع لله جل وعلا .
وقوله في هذه الآية :
وقد خاب من حمل ظلما قال بعض العلماء : أي : خسر من حمل شركا . وتدل لهذا القول الآيات القرآنية الدالة على تسمية الشرك ظلما . كقوله :
إن الشرك لظلم عظيم [ 31 \ 13 ] ، وقوله :
والكافرون هم الظالمون [ 2 \ 254 ] ، وقوله :
ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين [ 10 \ 106 ] ، وقوله :
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الآية [ 6 \ 82 ] إلى غير ذلك من الآيات ، والأظهر أن الظلم في قوله :
وقد خاب من حمل ظلما [ 20 \ 111 ] ، يعم الشرك ، وغيره من المعاصي . وخيبة كل ظالم بقدر ما حل من الظلم ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 102 ] وقوله في هذه الآية الكريمة :
للحي القيوم الحي : المتصف بالحياة الذي لا يموت أبدا . والقيوم صيغة مبالغة . لأنه جل وعلا هو القائم بتدبير شئون جميع الخلق . وهو القائم على كل نفس بما كسبت . وقيل : القيوم الدائم الذي لا يزول .