قوله تعالى :
فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى .
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
إن هذا عدو لك ولزوجك قد قدمنا الآيات الموضحة له في " الكهف " فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
وقوله في هذه الآية الكريمة : فتشقى أي : فتتعب في طلب المعيشة بالكد ، والاكتساب . لأنه لا يحصل لقمة العيش في الدنيا بعد الخروج من الجنة حتى يحرث الأرض ، ثم يزرعها ، ثم يقوم على الزرع حتى يدرك ، ثم يدرسه ، ثم ينقيه ، ثم يطحنه ، ثم يعجنه ، ثم يخبزه . فهذا شقاؤه المذكور .
والدليل على أن المراد بالشقاء في هذه الآية : التعب في اكتساب المعيشة قوله تعالى بعده :
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى [ 20 \ 118 - 119 ] ، يعني احذر من عدوك أن يخرجك من دار الراحة التي يضمن لك فيها الشبع ، والري ، والكسوة ، والسكن . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وهذه الأربعة هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان ، فذكره استجماعها له في الجنة ، وأنه مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف ، ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا . وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع ، والعري ، والظمأ ، والضحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها ، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها ا ه .
فقوله في هذه الآية الكريمة :
إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى [ 20 \ 118 ] ، قرينة واضحة على أن الشقاء المحذر منه تعب الدنيا في كد المعيشة ليدفع به الجوع ، والظمأ ، والعري ، والضحاء . والجوع معروف ، والظمأ : العطش . والعري بالضم : خلاف اللبس .
وقوله :
ولا تضحى أي : لا تصير بارزا للشمس ، ليس لك ما تستكن فيه من حرها . تقول العرب : ضحي يضحى ، كرضي يرضى . وضحى يضحى كسعى يسعى إذا كان بارزا لحر الشمس ليس له ما يكنه منه . ومن هذا المعنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة :
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فينحصر
وقول الآخر :
ضحيت له كي أستظل بظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا
[ ص: 108 ] وقرأ هذا الحرف عامة السبعة ما عدا
نافعا وشعبة عن
عاصم وأنك لا تظمأ بفتح همزة " أن " ، والمصدر المنسبك من " أن " وصلتها معطوف على المصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله :
إن لك ألا تجوع أي : وإن لك أنك لا تظمأ فيها ولا تضحى . ويجوز في المصدر المعطوف المذكور النصب ، والرفع ، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله :
وجائز رفعك معطوفا على منصوب إن بعد أن تستكملا
وإيضاح تقدير المصدرين المذكورين : إن لك عدم الجوع فيها ، وعدم الظمأ .